وبين قوله (لا تَرى فِيها عِوَجاً) [طه : ١٠٧] وقوله (لا عِوَجَ لَهُ) مراعاة النظير ، فكما جعل الله الأرض يومئذ غير معوجة ولا ناتئة كما قال (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [النازعات : ١٤] كذلك جعل سير النّاس عليها لا عوج فيه ولا مراوغة.
والخشوع : الخضوع ، وفي كلّ شيء من الإنسان مظهر من الخشوع ؛ فمظهر الخشوع في الصوت : الإسرار به ، فلذلك فرع عليه قوله (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً).
والهمس : الصوت الخفيّ.
والخطاب بقوله (لا تَرى فِيها عِوَجاً) وقوله (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) خطاب لغير معين ، أي لا يرى الرائي ولا يسمع السامع.
وجملة (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ) في موضع الحال من ضمير (يَتَّبِعُونَ) وإسناد الخشوع إلى الأصوات مجاز عقلي ، فإن الخشوع لأصحاب الأصوات ؛ أو استعير الخشوع لانخفاض الصوت وإسراره ، وهذا الخشوع من هول المقام.
وجملة (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) كجملة (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) في معنى التفريع على (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) ، أي لا يتكلّم الناس بينهم إلّا همسا ولا يجرءون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه. والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلّا بإذنه ، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله.
واستثناء (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) من عموم الشفاعة باعتبار أنّ الشفاعة تقتضي شافعا ، لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلا ، أي إلا أن يشفع من أذن له الرحمن في أن يشفع ، فهو استثناء تام وليس بمفرغ.
واللّام في (أَذِنَ لَهُ) لام تعدية فعل (أَذِنَ) ، مثل قوله (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) [الأعراف : ١٢٣]. وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «فيقال لي : سل تعطه واشفع تشفّع».
وقوله (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) عائد إلى (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) وهو الشافع. واللّام الداخلة على ذلك الضمير لام التّعليل ، أي رضي الرحمن قول الشّافع لأجل الشافع ، أي إكراما له كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته ، فصار الإذن بالشّفاعة وقبولها عنوانا على كرامة الشافع عند الله تعالى.