إلخ. على اعتبار تقدير (اذكر) ، أي اذكر لهم هول يوم تأتي كل نفس تجادل إلخ. وضرب الله مثلا لعذابهم في الدنيا شأن قرية كانت آمنة إلخ.
و (ضَرَبَ) : بمعنى جعل ، أي جعل المركّب الدّال عليه وكوّن نظمه ، وأوحى به إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، كما يقال : أرسل فلان مثلا قوله : كيت وكيت.
والتعبير عن ضرب المثل الواقع في حال نزول الآية بصيغة الماضي للتشويق إلى الإصغاء إليه ، وهو من استعمال الماضي في الحال لتحقيق وقوعه ، مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [سورة النحل : ١] أو لتقريب زمن الماضي من زمن الحال ، مثل قد قامت الصلاة.
ويجوز أن يكون (ضَرَبَ) مستعملا في معنى الطلب والأمر ، أي أضرب يا محمد لقومك مثلا قرية إلى آخره ، كما سيجيء عند قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ) في سورة الزمر [٢٩]. وإنما صيغ في صيغة الخبر توسّلا إلى إسناده إلى الله تشريفا له وتنويها به. ويفرّق بينه وبين ما صيغ بصيغة الطلب نحو (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) [سورة يس : ١٣] بما سيذكر في سورة الزمر فراجعه. وقد تقدّم في قوله تعالى : إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) في سورة البقرة [٢٦] ، وقوله في سورة إبراهيم [٢٤] (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً).
وجعل المثل قرية موصوفة بصفات تبيّن حالها المقصود من التمثيل ، فاستغني عن تعيين القرية.
والنكتة في ذلك أن يصلح هذا المثل للتعريض بالمشركين باحتمال أن تكون القرية قريتهم أعني مكة بأن جعلهم مثلا للناس من بعدهم. ويقوى هذا الاحتمال إذا كانت هذه الآية قد نزلت بعد أن أصاب أهل مكّة الجوع الذي أنذروا به في قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة الدخان : ١٠]. وهو الدخان الذي كان يراه أهل مكة أيام القحط الذي أصابهم بدعاء النبي صلىاللهعليهوسلم.
ويؤيد هذا قوله بعد (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) [سورة النحل : ١١٣].
ولعلّ المخاطب بهذا المثل هم المسلمون الذين هاجروا من بعد ما فتنوا ، أي أصحاب هجرة الحبشة تسلية لهم عن مفارقة بلدهم ، وبعثا لهم على أن يشكروا الله تعالى إذ أخرجهم من تلك القرية فسلموا مما أصاب أهلها وما يصيبهم.