احتياج العلم الحسّي إلى استعمال نظر واستدلال ، ولعدم اشتمال العلم العقلي على تفاصيل الكيفيات التي تحبّها النفوس وترتمي إليها الشهوات ، كما أشار إليه قوله تعالى : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [سورة البقرة : ٢٦٠]. فليس المراد بقوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لو كانوا يعتقدون ويؤمنون ، لأن ذلك حاصل لا يناسب موقع (لَوْ) الامتناعية.
فضمير (يَعْلَمُونَ) على هذا «للذين هاجروا». وفي هذا الوجه تتناسق الضمائر.
و (الَّذِينَ صَبَرُوا) صفة «للذين هاجروا». والصبر : تحمّل المشاقّ. والتّوكّل : الاعتماد.
وتقدم الصبر عند قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) أوائل سورة البقرة [٤٥]. والتوكل عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [١٥٩].
والتعبير في جانب الصبر بالمضي وفي جانب التوكّل بالمضارع إيماء إلى أن صبرهم قد آذن بالانقضاء لانقضاء أسبابه ، وأن الله قد جعل لهم فرجا بالهجرة الواقعة والهجرة المترقّبة. فهذا بشارة لهم.
وأنّ التوكّل ديدنهم لأنهم يستقبلون أعمالا جليلة تتمّ لهم بالتوكّل على الله في أمورهم فهم يكرّرونه. وفي هذا بشارة بضمان النجاح.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [سورة الزمر : ١٠].
وتقديم المجرور في قوله تعالى : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) للقصر ، أي لا يتوكّلون إلّا على ربّهم دون التوكّل على سادة المشركين وولائهم.
[٤٣ ، ٤٤] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ٤٣ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ).