قرأه الجمهور وليجزين بياء الغيبة. والضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله تعالى : (بِعَهْدِ اللهِ) وما بعده ، فهو النّاهي والواعد فلا جرم كان هو المجازي على امتثال أمره ونهيه.
وقرأه ابن كثير وعاصم وابن ذكوان عن ابن عمر في إحدى روايتين عنه وأبو جعفر بنون العظمة فهو التفات.
و (أَجْرَهُمْ) منصوب على المفعولية الثانية ل «يجزين» بتضمينه معنى الإعطاء المتعدّي إلى مفعولين.
والباء للسببية. و «أحسن» صيغة تفضيل مستعملة للمبالغة في الحسن. كما في قوله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [سورة يوسف : ٣٣] ، أي بسبب عملهم البالغ في الحسن وهو عمل الدوام على الإسلام مع تجرّع ألم الفتنة من المشركين. وقد أكد الوعد بلام القسم ونون التوكيد.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))
لما كان الوعد المتقدم بقوله تعالى ؛ وليجزين (الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النحل : ٩٦] خاصا بأولئك الذين نهوا عن أن يشتروا بعهد الله ثمنا قليلا عقب بتعميمه لكل من ساواهم في الثبات على الإسلام والعمل الصالح مع التبيين للأجر ، فكانت هذه الجملة بمنزلة التذييل للتي قبلها ، والبيان لما تضمّنته من مجمل الأجر. وكلا الاعتبارين يوجب فصلها عمّا قبلها.
وقوله تعالى : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) تبيين للعموم الذي دلّت عليه (مَنْ) الموصولة.
وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء عدا ما خصّصه الدين بأحد الصّنفين. وأكّد هذا الوعد كما أكّد المبيّن به.
وذكر «لنحيينّه» ليبنى عليه بيان نوع الحياة بقوله تعالى : (حَياةً طَيِّبَةً). وذلك المصدر هو المقصود ، أي لنجعلنّ له حياة طيّبة. وابتدئ الوعد بإسناد الإحياء إلى ضمير الجلالة تشريفا له كأنه قيل : فله حياة طيبة منّا. ولما كانت حياة الذّات لها مدّة معيّنة كثر إطلاق الحياة على مدّتها ، فوصفها بالطيّب بهذا الاعتبار ، أي طيب ما يحصل فيها ، فهذا