وقد أفاد (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) معنى تحملكم وتبلغكم ، بطريقة الكناية القريبة من التصريح. ولذلك عقب بقوله تعالى : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ).
وجملة (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) صفة ل (بَلَدٍ) ، وهي مفيدة معنى البعد ، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد ، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم.
والشّقّ ـ بكسر الشين ـ في قراءة الجمهور : المشقة. والباء للملابسة. والمشقة : التعب الشّديد.
وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين.
وقرأ أبو جعفر (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) ـ بفتح الشين ـ وهو لغة في الشق المكسور الشين.
وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة ، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصودا ، إذ كان الحمل على الأنعام مقارنا للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة ، بل المراد : لم تكونوا بالغيه لو لا الإبل أو بدون الإبل ، فحذف لقرينة السياق.
وجملة (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) تعليل لجملة (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) ، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رءوف رحيم بكم.
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً).
(وَالْخَيْلَ) معطوف على (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) [سورة النحل : ٥]. فالتقدير : وخلق الخيل.
والقول في مناط الاستدلال وما بعده من الامتنان والعبرة في كلّ كالقول فيما تقدّم من قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) الآية.
والفعل المحذوف يتعلق به (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، أي خلقها الله لتكون مراكب للبشر ، ولو لا ذلك لم تكن في وجودها فائدة لعمران العالم.