فقال عمر ـ رضياللهعنه ـ : «أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضلّ ، قالوا وما ديواننا؟ قال شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم».
وتفرّع (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) على الجمل الماضية تفريع العلّة على المعلّل. وحرف (إن) هنا مفيد للتعليل ومغن عن فاء التفريع كما بيّنه عبد القاهر ، فهي مؤكدة لما أفادته الفاء. والتّعليل هنا لما فهم من مجموع المذكورات في الآية من أنه تعالى قادر على تعجيل هلاكهم وأنه أمهلهم حتى نسوا بأس الله فصاروا كالآمنين منه بحيث يستفهم عنهم : أهم آمنون من ذلك أم لا.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨))
بعد أن نهضت براهين انفراده تعالى بالخلق بما ذكر من تعداد مخلوقاته العظيمة جاء الانتقال إلى دلالة من حال الأجسام التي على الأرض كلّها مشعرة بخضوعها لله تعالى خضوعا مقارنا لوجودها وتقلّبها آنا فآنا علم بذلك من علمه وجهله من جهله. وأنبأ عنه لسان الحال بالنسبة لما لا علم له ، وهو ما خلق الله عليه النظام الأرضي خلقا ينطق لسان حاله بالعبودية لله تعالى ، وذلك في أشدّ الأعراض ملازمة للذوات ، ومطابقة لأشكالها وهو الظلّ.
وقد مضى تفصيل هذا الاستدلال عند قوله تعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) في سورة الرعد [١٥].
فالجملة معطوفة على الجمل التي قبلها عطف القصّة على القصّة.
والاستفهام إنكاري ، أي قد رأوا ، والرؤية بصرية.
وقرأ الجمهور (أَوَلَمْ يَرَوْا) بتحتية. وقرأه حمزة والكسائي وخلف أولم تروا بالمثناة الفوقية على الخطاب على طريقة الالتفات.
و (مِنْ شَيْءٍ) بيان للإبهام الذي في (ما) الموصولة ، وإنما كان بيانا باعتبار ما جرى عليه من الوصف بجملة (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) الآية.
والتفيّؤ : تفعّل من فاء الظلّ فيئا ، أي عاد بعد أن أزاله ضوء الشمس. لعلّ أصله من فاء إذا رجع بعد مغادرة المكان ، وتفيؤ الظلال تنقّلها من جهات بعد شروق الشمس وبعد