سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا ؛ قال : اذهب فاسقه عسلا ، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء ، فقال : يا رسول الله ما زاده إلا استطلاقا. فقال رسول الله : «صدق الله وكذب بطن أخيك ؛ فذهب فسقاه عسلا فبرأ».
إذ المعنى أن الشفاء الذي أخبر الله عنه بوجوده في العسل ثابت ، وأن مزاج أخي السائل لم يحصل فيه معارض ذلك ، كما دلّ عليه أمر النبي صلىاللهعليهوسلم إيّاه أن يسقيه العسل ، فإن خبره يتضمّن أن العسل بالنسبة إليه باق على ما جعل الله فيه من الشفاء.
ومن لطيف النّوادر ما في «الكشاف» : أن من تأويلات الروافض أن المراد بالنحل في الآية عليّ وآله. وعن بعضهم أنه قال عند المهدي : إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم ، فقال له رجل : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فضحك المهدي وحدّث به المنصور فاتّخذوه أضحوكة من أضاحيكهم.
قلت : الرجل الذي أجاب الرافضي هو بشّار بن برد. وهذه القصّة مذكورة في أخبار بشّار.
وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) مثل الجملتين المماثلتين لها. وهو تكرير لتعداد الاستدلال ، واختير وصف التفكّر هنا لأن الاعتبار بتفصيل ما أجملته الآية في نظام النحل محتاج إلى إعمال فكر دقيق ، ونظر عميق.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))
انتقال من الاستدلال بدقائق صنع الله على وحدانيته إلى الاستدلال بتصرّفه في الخلق التصرّف الغالب لهم الذي لا يستطيعون دفعه ، على انفراده بربوبيّتهم ، وعلى عظيم قدرته. كما دلّ عليه تذييلها بجملة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فهو خلقهم بدون اختيار منهم ثم يتوفّاهم كرها عليهم أو يردّهم إلى حالة يكرهونها فلا يستطيعون ردّا لذلك ولا خلاصا منه ، وبذلك يتحقّق معنى العبودية بأوضح مظهر.
وابتدئت الجملة باسم الجلالة للغرض الذي شرحناه عند قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) [سورة النحل : ٦٥]. وأما إعادة اسم الجلالة هنا دون الإضمار فلأن مقام الاستدلال يقتضي تكرير اسم المستدلّ ـ بفتح الدال ـ على إثبات صفاته تصريحا