وسكان الغيضة الأصليون الذين نزل مدين بجوارهم ، فإن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أسكن ابنه مدين في شرق بلاد الخليل ، ولا يكون إلا في أرض مأهولة. وهذا عندي هو مقتضى ذكر قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ باسم مدين مرّات وباسم أصحاب الأيكة مرّات. وسيأتي لذلك زيادة إيضاح في سورة الشّعراء.
[٨٠ ـ ٨٤] (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤))
جمعت قصص هؤلاء الأمم الثّلاث : قوم لوط ، وأصحاب الأيكة ، وأصحاب الحجر في نسق ، لتماثل حال العذاب الّذي سلط عليها وهو عذاب الصّيحة والرّجفة والصّاعقة.
وأصحاب الحجر هم ثمود كانوا ينزلون الحجر ـ بكسر الحاء وسكون الجيم ـ. والحجر : المكان المحجور ، أي الممنوع من النّاس بسبب اختصاص به ، أو اشتقّ من الحجارة لأنهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتا محكما. وقد جعلت طبقات وفي وسطها بئر عظيمة وبئار كثيرة.
والحجر هو المعروف بوادي القرى وهو بين المدينة والشّام ، وهو المعروف اليوم باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك.
وأما حجر اليمامة مدينة بني حنيفة فهي ـ بفتح الحاء ـ وهي في بلاد نجد وتسمى العروض وهي اليوم من بلاد البحرين.
وقد توهّم بعض المستشرقين من الإفرنج أن البيوت المنحوتة في ذلك الجبل كانت قبورا ، وتعلقوا بحجج وهمية. ومما يفنّد أقوالهم خلوّ تلك الكهوف عن أجساد آدمية. وإذا كانت تلك قبورا فأين كانت منازل الأحياء؟.
والظاهر أن ثمود لما أخذتهم الصّيحة كانوا منتشرين في خارج البيوت لقوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ). وقد وجدت في مداخل تلك البيوت نقر صغيرة تدلّ على أنّها مجعولة لوصد أبواب المداخل في اللّيل.
وتعريف (الْمُرْسَلِينَ) للجنس ، فيصدق بالواحد ، إذ المراد أنّهم كذبوا صالحا ـ