مقابله يقال فيه.
وقرأ الجمهور (تَتَوَفَّاهُمُ) بفوقيّتين ، مثل نظيره. وقرأه حمزة وخلف بتحتية أولى كذلك.
والطّيب : بزنة فيعل ، مثل قيم وميّت ، وهو مبالغة في الاتّصاف بالطيب وهو حسن الرائحة. ويطلق على محاسن الأخلاق وكمال النّفس على وجه المجاز المشهور فتوصف به المحسوسات كقوله تعالى : (حَلالاً طَيِّباً) [سورة البقرة : ١٦٨] والمعاني والنفسيات كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) [سورة الزمر : ٧٣]. وقولهم : طبت نفسا. ومنه قوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [سورة الأعراف : ٥٨]. وفي الحديث «إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا» أي مالا طيبا حلالا. فقوله تعالى هنا (طَيِّبِينَ) يجمع كل هذه المعاني ، أي تتوفّاهم الملائكة منزّهين من الشرك مطمئنّي النفوس. وهذا مقابل قوله في أضدادهم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [سورة النحل : ٢٨].
وجملة (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) حال من (الْمَلائِكَةُ) وهي حال مقارنة ل (تَتَوَفَّاهُمُ) ، أي يتوفّونهم مسلّمين عليهم ، وهو سلام تأنيس وإكرام حين مجيئهم ليتوفّوهم ، لأن فعل (تَتَوَفَّاهُمُ) يبتدئ من وقت حلول الملائكة إلى أن تنتزع الأرواح وهي حصّة قصيرة.
وقولهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هو مقابل قولهم لأضدادهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) [سورة النحل : ٢٨ ، ٢٩]. والقول في الأمر بالدخول للجنّة حين التوفّي كالقول في ضدّه المتقدم آنفا. وهو هنا نعيم المكاشفة.
[٣٣ ، ٣٤] (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))
استئناف بياني ناشئ عن جملة (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة الرعد : ٤٢] لأنّها تثير سؤال من يسأل عن إبّان حلول العذاب على هؤلاء كما حلّ بالّذين من قبلهم ، فقيل : ما ينظرون إلا أحد أمرين هما مجيء الملائكة لقبض أرواحهم فيحقّ عليهم الوعيد المتقدم ، أو أن يأتي أمر الله. والمراد به الاستئصال المعرّض بالتهديد في قوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [سورة النحل : ٢٦].