مغزلا قدر ذراع وصنّارة مثل إصبع وفلكة عظيمة (١) على قدر ذلك ، فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فتنقض ما غزلته ، وهكذا تفعل كل يوم ، فكان حالها إفساد ما كان نافعا محكما من عملها وإرجاعه إلى عدم الصلاح ، فنهوا عن أن يكون حالهم كحالها في نقضهم عهد الله وهو عهد الإيمان بالرجوع إلى الكفر وأعمال الجاهلية. ووجه الشّبه الرجوع إلى فساد بعد التلبّس بصلاح.
والغزل : هنا مصدر بمعنى المفعول ، أي المغزول ، لأنه الذي يقبل النقض. والغزل : فتل نتف من الصوف أو الشعر لتجعل خيوطا محكمة اتصال الأجزاء بواسطة إدارة آلة الغزل بحيث تلتفّ النتف المفتولة باليد فتصير خيطا غليظا طويلا بقدر الحاجة ليكون سدى أو لحمة للنسج.
والقوة : إحكام الغزل ، أي نقضته مع كونه محكم الفتل لا موجب لنقضه ، فإنه لو كان فتله غير محكم لكان عذر لنقضه.
والأنكاث ـ بفتح الهمزة ـ : جمع نكث ـ بكسر النّون وسكون الكاف ـ أي منكوث ، أي منقوض ، ونظيره نقض وأنقاض. والمراد بصيغة الجمع أن ما كان غزلا واحدا جعلته منقوضا ، أي خيوطا عديدة. وذلك بأن صيّرته إلى الحالة التي كان عليها قبل الغزل وهي كونه خيوطا ذات عدد.
وانتصب (أَنْكاثاً) على الحال من (غَزْلَها) ، أي نقضته فإذا هو أنكاث.
وجملة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ) حال من ضمير (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) [سورة النحل: ٩١].
والدخل ـ بفتحتين ـ : الفساد ، أي تجعلون أيمانكم التي حلفتموها .. والدّخل أيضا : الشيء الفاسد. ومن كلام العرب : ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل (سكن الخاء لغة أو للضرورة إن كان نظما ، أو للسجع إن كان نثرا) ، أي ما يدريك ما فيهم من فساد. والمعنى : تجعلون أيمانكم الحقيقة بأن تكون معظّمة وصالحة فيجعلونها فاسدة كاذبة ، فيكون وصف الأيمان بالدّخل حقيقة عقلية ؛ أو تجعلونها سبب فساد بينكم إذ تجعلونها وسيلة للغدر والمكر فيكون وصف الأيمان بالدّخل مجازا عقليا.
__________________
(١) فلكة بفتح الفاء وسكون اللام عود بأعلاه دائرة منه يلفّ عليه الغزل.