قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ١٣ ]

176/280
*

الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع. وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلا ـ لا يشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع. والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة ، قال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [سورة هود : ٧١]. وقد عملت (مِنْ) الابتدائية في (حَفَدَةً) بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة.

وجملة (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) معطوفة على جملة (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) وما بعدها ، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمّن المنّة بنعمة أفراد العائلة ، فإن من مكمّلاتها سعة الرزق ، كما قال تعالى في آل عمران (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) [سورة النحل : ١٤] الآية. وقال طرفة :

فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي

بنون كرام سادة لمسود

فالمال والعائلة لا يروق أحدها بدون الآخر.

ثم الرزق يجوز أن يكون مرادا منه المال كما في قوله تعالى في قصة قارون : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) [سورة القصص: ٨٢]. وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفا. ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيّبة ، كما في قوله تعالى : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [سورة آل عمران : ٣٧].

و (مِنْ) تبعيضية.

و (الطَّيِّباتِ) : صفة لموصوف محذوف دلّ عليه فعل رزقكم ، أي الأرزاق الطّيبات. والتأنيث لأجل الجمع. والطيّب : فيعل صفة مبالغة في الوصف بالطّيب. والطيّب : أصله النزاهة وحسن الرائحة ، ثم استعمل في الملائم الخالص من النّكد ، قال تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [سورة النحل : ٩٧]. واستعمل في الصالح من نوعه كقوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، في سورة الأعراف [٥٨]. ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) [سورة النحل : ٣٢] وقد تقدم آنفا.

فالطيّبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة للناس كما ذكر في الآية في سورة