والاستفهام إنكاري في معنى النّفي ، ولذلك جاء بعده الاستثناء.
و (يَنْظُرُونَ) هنا بمعنى الانتظار وهو النظرة. والكلام موجه إلى النبيصلىاللهعليهوسلم تذكيرا بتحقيق الوعيد وعدم استبطائه وتعريضا بالمشركين بالتحذير من اغترارهم بتأخّر الوعيد وحثّا لهم على المبادرة بالإيمان.
وإسناد الانتظار المذكور إليهم جار على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيلهم منزلة من ينتظر أحد الأمرين ، لأنّ حالهم من الإعراض عن الوعيد وعدم التفكّر في دلائل صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم مع ظهور تلك الدلائل وإفادتها التحقّق كحال من أيقن حلول أحد الأمرين به فهو يترقّب أحدهما ، كما تقول لمن لا يأخذ حذره من العدوّ : ما تترقّب إلّا أن تقع أسيرا. ومنه قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة يونس : ١٠٢] وقوله تعالى : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [سورة القصص : ١٩]. وهذا قريب من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه وما هو بذلك.
وجملة (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) تنظير بأحوال الأمم الماضية تحقيقا للغرضين.
والإشارة إلى الانتظار المأخوذ من (يَنْظُرُونَ) المراد منه الإعراض والإبطاء ، أي كإبطائهم فعل الذين من قبلهم ، فيوشك أن يأخذهم العذاب بغتة كما أخذ الذين من قبلهم. وهذا تحذير لهم وقد رفع الله عذاب الاستئصال عن أمّة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ببركته ولإرادته انتشار دينه.
و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم المذكورون في قوله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة الرعد : ٤٢].
وجملة (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) معترضة بين جملة (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة النحل : ٣٣] وجملة (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا).
ووجه هذا الاعتراض أن التعرّض إلى ما فعله الذين من قبلهم يشير إلى ما كان من عاقبتهم وهو استئصالهم ، فعقب بقوله تعالى : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) ، أي فيما أصابهم.
ولمّا كان هذا الاعتراض مشتملا على أنهم ظلموا أنفسهم صار تفريع (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) عليه أو على ما قبله. وهو أسلوب من نظم الكلام عزيز. وتقدير