وأمّا نكاح التفويض : وهو أن ينعقد النكاح مع السكوت عن المهر ، وهو جائز عند جميع الفقهاء ؛ فجوازه مبني على أنّهم لا يفوّضون إلّا وهم يعلمون معتاد أمثالهم ، ويكون (فريضة) بمعنى تقديرا ، ولذلك قال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) ، أي فيما زدتم لهنّ أو أسقطن لكم عن طيب نفس. فهذا معنى الآية بيّنا لا غبار عليه.
وذهب جمع : منهم ابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وابن جبير : أنّها نزلت في نكاح المتعة لما وقع فيها من قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ). ونكاح المتعة : هو الذي تعاقد الزوجان على أن تكون العصمة بينهما مؤجّلة بزمان أو بحالة ، فإذا انقضى ذلك الأجل ارتفعت العصمة ، وهو نكاح قد أبيح في الإسلام لا محالة ، ووقع النهي عنه يوم خيبر ، أو يوم حنين على الأصحّ. والذين قالوا : حرّم يوم خيبر قالوا : ثم أبيح في غزوة الفتح ، ثم نهي عنه في اليوم الثالث من يوم الفتح. وقيل : نهي عنه في حجّة الوداع ، قال أبو داود : وهو أصحّ. والذي استخلصناه أنّ الروايات فيها مضطربة اضطرابا كبيرا.
وقد اختلف العلماء في الأخير من شأنه : فذهب الجمهور إلى أنّ الأمر استقرّ على تحريمه ، فمنهم من قال : نسخته آية المواريث لأنّ فيها (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ... وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) [النساء : ١٢] فجعل للأزواج حظّا من الميراث ، وقد كانت المتعة لا ميراث فيها. وقيل : نسخها ما مسلم عن سبرة الجهني ، أنه رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسندا ظهره إلى الكعبة ثالث يوم من الفتح يقول : «أيها الناس إن كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء إلا أن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة». وانفراد سبرة به في مثل ذلك اليوم مغمز في روايته ، على أنّه ثبت أنّ الناس استمتعوا. وعن علي بن أبي طالب ، وعمران بن حصين ، وابن عباس ، وجماعة من التابعين والصحابة أنّهم قالوا بجوازه. قيل : مطلقا ، وهو قول الإمامية ، وقيل : في حال الضرورة عند أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن.
وروي عن ابن عباس أنّه قال : لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شفى (١). وعن عمران بن حصين في «الصحيح» أنه قال : «نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم ينزل
__________________
(١) بفاء بعد الشين ، أي إلّا قليل ، وأصله من قولهم : شفيت الشمس إذا غربت وفي بعض الكتب شقي.