ويقال : امرأة محصنة ـ بكسر الصاد ـ أحصنت نفسها عن غير زوجها ، ولم يقرأ قوله : (وَالْمُحْصَناتُ) في هذه الآية إلّا بالفتح.
ويقال أحصن الرجل فهو محصن ـ بكسر الصاد ـ لا غير ، ولا يقال محصن : ولذلك لم يقرأ أحد : محصنين غير مسافحين ـ بفتح الصاد ـ ، وقرئ قوله : ومحصنات ـ بالفتح والكسر ـ وقوله : (فَإِذا أُحْصِنَ) [النساء : ٢٥] ـ بضم الهمزة وكسر الصاد ، وبفتح الهمزة وفتح الصاد ـ. والمراد هنا المعنى الأول ، أي وحرّمت عليكم ذوات الأزواج ما دمن في عصمة أزواجهنّ ، فالمقصود تحريم اشتراك رجلين فأكثر في عصمة امرأة ، وذلك إبطال لنوع من النكاح كان في الجاهلية يسمّى الضّماد ، ولنوع آخر ورد ذكره في حديث عائشة : أن يشترك الرجال في المرأة وهم دون العشرة ، فإذا حملت ووضعت حملها أرسلت إليهم فلا يستطيع أحد منهم أن يمتنع ، فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تسمّي من أحبّت باسمه فيلحق به. ونوع آخر يسمّى نكاح الاستبضاع ؛ وهو أن يقول الزوج لامرأته إذا طهرت من حيضها : أرسلي إلى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسّها حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فإذا تبيّن حملها أصابها زوجها. قالت عائشة : وإنما يفعل هذا رغبة في نجابة الولد ، وأحسب أنّ هذا كان يقع بتراض بين الرجلين ، والمقصد لا ينحصر في نجابة الولد ، فقد يكون لبذل مال أو صحبة. فدلّت الآية على تحريم كلّ عقد على نكاح ذات الزوج ، أي تحريم أن يكون للمرأة أكثر من زوج واحد. وأفادت الآية تعميم حرمتهنّ ولو كان أزواجهنّ مشركين ، ولذلك لزم الاستثناء بقوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي إلّا اللائي سبيتموهنّ في الحرب ، لأنّ اليمين في كلام العرب كناية عن اليد حين تمسك السيف.
وقد جعل الله السبي هادما للنكاح تقريرا لمعتاد الأمم في الحروب ، وتخويفا أن لا يناصبوا الإسلام لأنّهم لو رفع عنهم السبي لتكالبوا على قتال المسلمين ، إذ لا شيء يحذره العربي من الحرب أشدّ من سبي نسوته ، ثم من أسره ، كما قال النابغة :
حذارا على أن لا تنال مقادتي |
|
ولا نسوتي حتّى يمتن حرائرا |
واتّفق المسلمون على أنّ سبي المرأة دون زوجها يهدم النكاح ، ويحلّها لمن وقعت في قسمته عند قسمة المغانم. واختلفوا في التي تسبى مع زوجها : فالجمهور على أنّ سبيها يهدم نكاحها ، وهذا إغضاء من الحكمة التي شرع لأجلها إبقاء حكم الاسترقاق بالأسر. وأومأت إليها الصلة بقوله : (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وإلّا لقال : إلّا ما تركت