جوابا للشرط ، إذ التقدير فإنّه غنيّ عنكم. وتأيّد ذلك القصد بتذييلها بقوله : (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً) أي غنيّا عن طاعتكم ، محمودا لذاته ، سواء حمده الحامدون وأطاعوه ، أم كفروا وعصوه.
وقد ظهر بهذا أنّ جملة (وَإِنْ تَكْفُرُوا) معطوفة على جملة (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) فهي من تمام الوصية ، أي من مقول القول المعبّر عنه ب (وَصَّيْنَا) ، فيحسن الوقف على قوله (حَمِيداً).
وأمّا جملة (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) فهي عطف على جملة (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا) ، أتى بها تمهيدا لقوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) فهي مراد بها معناها الكنائي الذي هو التمكّن من التصرّف بالإيجاد والإعدام ، ولذلك لا يحسن الوقف على قوله : (وَكِيلاً). فقد تكرّرت جملة (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هنا ثلاث مرّات متتاليات متّحدة لفظا ومعنى أصليا ، ومختلفة الأغراض الكنائية المقصودة منها ، وسبقتها جملة نظيرتهنّ : وهي ما تقدّم من قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) [النساء : ١٢٦]. فحصل تكرارها أربع مرات في كلام متناسق. فأمّا الأولى السابقة فهي واقعة موقع التعليل لجملة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦] ، ولقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ١١٦] ، والتذييل لهما ، والاحتراس لجملة (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥] ، كما ذكرناه آنفا. وأما الثانية التي بعدها فواقعة موقع التعليل لجملة (يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ). وأما الثالثة التي تليها فهي علّة للجواب المحذوف ، وهو جواب قوله : (وَإِنْ تَكْفُرُوا) ؛ فالتقدير : وإن تكفروا فإنّ الله غنيّ عن تقواكم وإيمانكم فإنّ له ما في السماوات وما في الأرض وكان ولا يزال غنيّا حميدا. وأمّا الرابعة التي تليها فعاطفة على مقدّر معطوف على جواب الشرط تقديره : وإن تكفروا بالله وبرسوله فإنّ الله وكيل عليكم ووكيل عن رسوله وكفى بالله وكيلا.
وجملة (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) واقعة موقع التفريع عن قوله : (غَنِيًّا حَمِيداً). والخطاب بقوله : (أَيُّهَا النَّاسُ) للناس كلّهم الذين يسمعون الخطاب تنبيها لهم بهذا النداء. ومعنى (يَأْتِ بِآخَرِينَ) يوجد ناسا آخرين يكونون خيرا منكم في تلقي الدين.
وقد علم من مقابلة قوله : (أَيُّهَا النَّاسُ) بقوله : (بِآخَرِينَ) أنّ المعنى بناس آخرين غير كافرين ، على ما هو الشائع في الوصف بكلمة آخر أو أخرى ، بعد ذكر مقابل