الموصول في قوله : (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) إلى طريق المخاطبة.
ومعنى (ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) ما يمنعكم من القتال ، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون ، فجملة (لا تُقاتِلُونَ) حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام.
والاستفهام إنكاري ، أي لا شيء لكم في حال لا تقاتلون ، والمراد أنّ الذي هو لكم هو أن تقاتلوا ، فهو بمنزلة أمر ، أي قاتلوا في سبيل الله لا يصدّكم شيء عن القتال ، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى : (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في سورة البقرة [٢٤٦].
ومعنى (فِي سَبِيلِ اللهِ) لاجل دينه ولمرضاته ، فحرف (في) للتعليل ، ولأجل المستضعفين ، أي لنفعهم ودفع المشركين عنهم.
و (المستضعفون) الذين يعدّهم الناس ضعفاء ، و (فالسين والتاء للحسبان ، وأراد بهم من بقي من المؤمنين بمكة من الرجال الذين منعهم المشركون من الهجرة بمقتضى الصلح الذي انعقد بين الرسول صلىاللهعليهوسلم وبين سفير قريش سهيل بن عمرو ؛ إذ كان من الشروط التي انعقد عليها الصلح : أنّ من جاء إلى مكة من المسلمين مرتدا عن الإسلام لا يردّ إلى المسلمين ، ومن جاء إلى المدينة فارّا من مكة مؤمنا يردّ إلى مكة. ومن المستضعفين الوليد بن الوليد. وسلمة بن هشام. وعيّاش بن أبي ربيعة. وأمّا النساء فهنّ ذوات الأزواج أو ولايى الأولياء المشركين اللائي يمنعهنّ أزواجهنّ وأولياؤهنّ من الهجرة : مثل أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وأمّ الفضل لبابة بنت الحارث زوج العباس ، فقد كنّ يؤذين ويحقّرن. وأمّا الولدان فهم الصغار من أولاد المؤمنين والمؤمنات ، فإنّهم كانوا يألمون من مشاهدة تعذيب آبائهم وذويهم وإيذاء أمّهاتهم وحاضناتهم ، وعن ابن عباس أنّه قال : كنت أنا وأمّي من المستضعفين.
والقتال في سبيل هؤلاء ظاهر ، لإنقاذهم من فتنة المشركين ، وإنقاذ الولدان من أن يشبّوا على أحوال الكفر أو جهل الإيمان.
والقرية هي مكّة. وسألوا الخروج منها لما كدّر قدسها من ظلم أهلها ، أي ظلم الشرك وظلم المؤمنين ، فكراهية المقام بها من جهة أنّها صارت يومئذ دار شرك ومناواة لدين الإسلام وأهله ، ومن أجل ذلك أحلّها الله لرسوله أن يقاتل أهلها ، وقد قال عباس بن مرداس يفتخر باقتحام خيل قومه في زمرة المسلمين يوم فتح مكة :