شافعة النساء اللاتي لا مرغّب فيهنّ لهم فيرغبون عن نكاحهنّ ، فكذلك لا يجعلون القرابة سببا للإجحاف بهنّ في مهورهنّ. وقولها : ثمّ إنّ الناس استفتوا رسول الله ، معناه استفتوه طلبا لإيضاح هذه الآية. أو استفتوه في حكم نكاح اليتامى ، وله يهتدوا إلى أخذه من هذه الآية ، فنزل قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) الآية ، وأنّ الإشارة بقوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) أي ما يتلى من هذه الآية الأولى ، أي كان هذا الاستفتاء في زمن نزول هذه السورة. وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية. وقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والسدّي ، وقتادة : كانت العرب تتحرّج في أموال اليتامى ولا تتحرّج في العدل بين النساء ، فكانوا يتزوّجون العشر فأكثر فنزلت هذه الآية في ذلك ، وعلى هذا القول فمحلّ الملازمة بين الشرط والجزاء إنّما هو فيما تفرّع عن الجزاء من قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) ، فيكون نسج الآية قد حيك على هذا الأسلوب ليدمج في خلاله تحديد النهاية إلى الأربع. وقال عكرمة : نزلت في قريش ، كان الرجل يتزوّج العشر فأكثر فإذا ضاق ماله عن إنفاقهنّ أخذ مال يتيمه فتزوّج منه ، وعلى هذا الوجه فالملازمة ظاهرة ، لأنّ تزوّج ما لا يستطاع القيام به صار ذريعة إلى أكل أموال اليتامى ، فتكون الآية دليلا على مشروعية سدّ الذرائع إذا غلبت. وقال مجاهد : الآية تحذير من الزنا ، وذلك أنّهم كانوا يتحرّجون من أكل أموال اليتامى ولا يتحرّجون من الزنا ، فقيل لهم : إن كنتم تخافون من أموال اليتامى فخافوا الزنا ، لأنّ شأن المتنسّك أن يهجر جميع المآثم لا سيما ما كانت مفسدته أشدّ. وعلى هذا الوجه تضعف الملازمة بين الشرط وجوابه ويكون فعل الشرط ماضيا لفظا ومعنى. وقيل في هذا وجوه أخر هي أضعف ممّا ذكرنا.
ومعنى (ما طابَ) ما حسن بدليل قوله : (لَكُمْ) ويفهم منه أنّه ممّا حلّ لكم لأن الكلام في سياق التشريع.
وما صدق (ما طابَ) النساء فكان الشأن أن يؤتى ب (من) الموصولة لكن جيء ب (ما) الغالبة في غير العقلاء ، لأنّها نحي بها منحى الصفة وهو الطيّب بلا تعيين ذات ، ولو قال (من) لتبادر إلى إرادة نسوة طيّبات معروفات بينهم ، وكذلك حال (ما) في الاستفهام ، كما قال صاحب «الكشاف» وصاحب «المفتاح». فإذا قلت : ما تزوجت؟ فأنت تريد ما صفتها أبكرا أم ثيّبا مثلا ، وإذا قلت : من تزوجت؟ فأنت تريد تعيين اسمها ونسبها.
والآية ليست هي المثبتة لمشروعية النكاح ، لأنّ الأمر فيها معلّق على حالة الخوف من الجور في اليتامى ، فالظاهر أنّ الأمر فيها للإرشاد ، وأنّ النكاح شرع بالتقرير للإباحة