مبهم. والحوالة في بيان هذا المجمل على الأدلّة الأخرى المستقراة من الكتاب والسنّة ، ولو كانت هذه الآية ممّا نزل في أوّل البعثة لأمكن أن يقال : إنّ ما بعدها من الآيات نسخ ما تضمّنته ، ولا يهولنا أنّها خبر لأنّها خبر مقصود منه حكم تكليفي ، ولكنّها نزلت بعد معظم القرآن ، فتعيّن أنّها تنظر إلى كلّ ما تقدّمها ، وبذلك يستغني جميع طوائف المسلمين عن التعسّف في تأويلها كلّ بما يساعد نحلته ، وتصبح صالحة لمحامل الجميع ، والمرجع في تأويلها إلى الأدلّة المبيّنة ، وعلى هذا يتعيّن حمل الإشراك على معناه المتعارف في القرآن والشريعة المخالف لمعنى التوحيد ، خلاف تأويل الشافعي الإشراك بما يشمل اليهودية والنصرانية ، ولعلّه نظر فيه إلى قول ابن عمر في تحريم تزوّج اليهودية والنصرانية بأنّهما مشركتان .. وقال : أيّ شرك أعظم من أن يدعى الله ابن.
وأدلّة الشريعة صريحة في اختلاف مفهوم هذين الوصفين ، وكون طائفة من اليهود قالوا : عزير ابن الله ، والنصارى قالوا : المسيح ابن الله ، لا يقتضي جعلهم مشركين إذ لم يدّعوا مع ذلك لهذين إلهية تشارك الله تعالى ، واختلاف الأحكام التكليفية بين الكفرين دليل على أن لا يراد بهذا اللفظ مفهوم مطلق الكفر ، على أنه ما ذا يغني هذا التأويل إذا كان بعض الكفرة لا يقول بإلهية غير الله مثل معظم اليهود.
وقد اتّفق المسلمون كلّهم على أنّ التوبة من الكفر ، أي الإيمان ، يوجب مغفرته سواء كان كفر إشراك أم كفرا بالإسلام ، لا شكّ في ذلك ، إمّا بوعد الله عند أهل السنّة ، أو بالوجوب العقلي عند المعتزلة ؛ وأنّ الموت على الكفر مطلقا لا يغفر بلا شكّ. إمّا بوعيد الله ، أو بالوجوب العقلي ؛ وأنّ المذنب إذا تاب يغفر ذنبه قطعا ، إمّا بوعد الله أو بالوجوب العقلي. واختلف في المذنب إذا مات على ذنبه ولم يتب أو لم يكن له من الحسنات ما يغطّي على ذنوبه ، فقال أهل السنّة : يعاقب ولا يخلّد في العذاب بنصّ الشريعة ، لا بالوجوب ، وهو معنى المشيئة ، فقد شاء الله ذلك وعرّفنا مشيئته بأدلّة الكتاب والسنّة.
وقال المعتزلة والخوارج : هو في النار خالدا بالوجوب العقلي. وقال المرجئة : لا يعاقب بحال ، وكلّ هاته الأقسام داخل في إجمال (لِمَنْ يَشاءُ).
وقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) زيادة في تشنيع حال الشرك. والافتراء : الكذب الذي لا شبهة للكاذب فيه. لأنّه مشتقّ من القرى ، وهو قطع الجلد. وهذا مثل ما أطلقوا عليه لفظ الاختلاق من الخلق. وهو قطع الجلد ، وتقدّم عند قوله