قيل منقطع ، لأنّ التجارة الحاضرة ليست من الدين في شيء ، والتقدير : إلّا كون تجارة حاضرة.
والحاضرة الناجزة ، التي لا تأخير فيها ، إذ الحاضر ، والعاجل ، والناجز : مترادفة. والدين ، والأجل ، والنّسيئة : مترادفة.
وقوله : (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) بيان لجملة (أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) بل البيان في مثل هذا ، أقرب منه في قول الشاعر ممّا أنشده ابن الأعرابي في نوادره ، وقال العيني : ينسب إلى الفرزدق :
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة |
|
وبالشّام أخرى كيف يلتقيان |
إذ جعل صاحب «الكشاف» كيف يلتقيان بيانا لحاجة وأخرى ، أو تجعل (تُدِيرُونَها) صفة ثانية لتجارة في معنى البيان ، ولعلّ فائدة ذكره الإيماء إلى تعليل الرخصة في ترك الكتابة ، لأنّ إدارتها أغنت عن الكتابة. وقيل : الاستثناء متّصل ، والمراد بالتجارة الحاضرة المؤجّلة إلى أجل قريب ، فهي من جملة الديون ، رخص فيها ترك الكتابة بها ، وهذا بعيد.
وقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) تصريح بمفهوم الاستثناء ، مع ما في زيادة قوله : (جُناحٌ) من الإشارة إلى أنّ هذا الحكم رخصة ، لأنّ رفع الجناح مؤذن بأنّ الكتابة أولى وأحسن.
وقرأ الجمهور تجارة بالرفع : على أنّ تكون تامة ، وقرأه عاصم بالنصب : على أنّ تكون ناقصة ، وأنّ في فعل تكون ضميرا مستترا عائدا على ما يفيده خبر كان ، أي إلّا أن تكون التجارة تجارة حاضرة ، كما في قول عمرو بن شاس ـ أنشده سيبويه ـ :
بني أسد هل تعلمون بلاءنا |
|
إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا |
تقديره إذا كان اليوم يوما ذا كواكب ، وقوله : (أَلَّا) أصله أن لا فرسم مدغما.
(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
تشريع للإشهاد عند البيع ولو بغير دين إذا كان البيع غير تجارة حاضرة ، وهذا إكمال لصور المعاملة : فإنّها إمّا تداين ، أو آيل إليه كالبيع بدين ، وإمّا تناجز في تجارة ، وإمّا تناجز في غير تجارة كبيع العقار والعروض في غير التجر. وقيل : المراد بتبايعتم التجارة ، فتكون الرخصة في ترك الكتابة مع بقاء الإشهاد بدون كتابة ، وهذا بعيد جدا ، لأنّ الكتابة