التعاقد : من تحمّل ، عند قصد الإشهاد ، ومن أداء ، عند الاحتياج إلى البيّنة. قال ابن الحاجب : «والتحمّل حيث يفتقر إليه فرض كفاية والأداء من نحو البريدين ـ إن كانا اثنين ـ فرض عين ، ولا تحلّ إحالته على اليمين».
والقول في مقتضى النهي هنا كالقول في قوله : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ويظهر أنّ التحمّل يتعيّن بالتعيين من الإمام ، أو بما يعينه ، وكان الشأن أن يكون فرض عين إلّا لضرورة فينتقل المتعاقدان لآخر ، وأما الأداء ففرض عين إن كان لا مضرة فيه على الشاهد في بدنه ، أو ماله ، وعند أبي حنيفة الأداء فرض كفاية إلّا إذا تعيّن عليه : بأن لا يوجد بدله ، وإنّما يجب بشرط عدالة القاضي ، وقرب المكان : بأن يرجع الشاهد إلى منزله في يومه ، وعلمه بأنّه تقبل شهادته ، وطلب المدّعي. وفي هذه التعليقات ردّ بالشهادة إلى مختلف اجتهادات الشهود ، وذلك باب من التأويلات لا ينبغي فتحه.
قال القرطبي : «يؤخذ من هذه الآية أنّه يجوز للإمام أن يقيم للناس شهودا ، ويجعل لهم كفايتهم من بيت المال ، فلا يكون لهم شغل إلّا تحمل حقوق الناس حفظا لها». قلت : وقد أحسن. قضاة تونس المتقدّمون ، وأمراؤها ، في تعيين شهود منتصبين للشهادة بين الناس ، يؤخذون ممّن يقبلهم القضاة ويعرفونهم بالعدالة ، وكذلك كان الأمر في الأندلس ، وذلك من حسن النظر للأمة ، ولم يكن ذلك متّبعا في بلاد المشرق ، بل كانوا يكتفون بشهرة عدالة بعض الفقهاء وضبطهم للشروط وكتب الوثائق فيعتمدهم القضاة ، ويكلون إليهم ما يجري في النوازل من كتابة الدعوى والأحكام ، وكان ممّا يعدّ في ترجمة بعض العلماء أن يقال : كان مقبولا عند القاضي فلان.
(وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ).
تعميم في أكوان أو أحوال الديون المأمور بكتابتها ، فالصغير والكبير هنا مجازان في الحقير والجليل. والمعاملات الصغيرة أكثر من الكبيرة ، فلذلك نهوا عن السآمة هنا. والسآمة: الملل من تكرير فعل ما.
والخطاب للمتداينين أصالة ، ويستتبع ذلك خطاب الكاتب : لأنّ المتداينين إذا دعواه للكتابة وجب عليه أن يكتب.
والنهي عنها نهي عن أثرها ، وهو ترك الكتابة ، لأنّ السآمة تحصل للنفس من غير اختيار ، فلا ينهى عنها في ذاتها ، وقيل السآمة هنا كناية عن الكسل والتهاون. وانتصب