يميل الحائط فأدعّمه ، وأعددت السلاح أن يجيء عدوّ فأدفعه. وفي هذا الاستعمال عدول عن الظاهر وهو أن يقال : أن تذكر إحداهما الأخرى عند نسيانها. ووجّهه صاحب «الكشاف» بأنّ فيه دلالة على الاهتمام بشأن التذكير حتى صار المتكلم يعلّل بأسبابه المفضية إليه لأجل تحصيله. وادّعى ابن الحاجب في أماليه على هذه الآية بالقاهرة سنة ست عشرة وستمائة : أنّ من شأن لغة العرب إذا ذكروا علة ـ وكان للعلة علة ـ قدّموا ذكر علة العلة وجعلوا العلة معطوفة عليها بالفاء لتحصل الدلالتان معا بعبارة واحدة. ومثّله بالمثال الذي مثّل به «الكشاف» ، وظاهر كلامه أنّ ذلك ملتزم ولم أره لغيره.
والذي أراه أنّ سبب العدول في مثله أنّ العلة تارة تكون بسيطة كقولك : فعلت كذا إكراما لك ، وتارة تكون مركّبة من دفع ضر وجلب نفع بدفعه. فهنالك يأتي المتكلم في تعليله بما يدل على الأمرين في صورة علة واحدة إيجازا في الكلام كما في الآية والمثالين. لأنّ المقصود من التعدد خشية حصول النسيان للمرأة المنفردة ، فلذا أخذ بقولها حقّ المشهود عليه وقصد تذكير المرأة الثانية إياها ، وهذا أحسن مما ذكره صاحب «الكشاف».
وفي قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) إظهار في مقام الإضمار لأنّ مقتضى الظاهر أن يقول فتذكّرها الأخرى ، وذلك أن الإحدى والأخرى وصفان مبهمان لا يتعيّن شخص المقصود بهما ، فكيفما وضعتهما في موضعي الفاعل والمفعول كان المعنى واحدا ، فلو أضمر للإحدى ضمير المفعول لكان المعاد واضحا سواء كان قوله إحداهما ـ المظهر ـ فاعلا أو مفعولا به ، فلا يظنّ أن كون لفظ إحداهما المظهر في الآية فاعلا ينافي كونه إظهارا في مقام الإضمار لأنّه لو أضمر لكان الضمير مفعولا ، والمفعول غير الفاعل كما قد ظنّه التفتازاني لأنّ المنظور إليه في اعتبار الإظهار في مقام الإضمار هو تأتي الإضمار مع اتّحاد المعنى. وهو موجود في الآية كما لا يخفى.
ثم نكتة الإظهار هنا قد تحيّرت فيها أفكار المفسرين ولم يتعرّض لها المتقدمون ، قال التفتازاني في «شرح الكشاف» : «ومما ينبغي أن يتعرض له وجه تكرير لفظ إحداهما ، ولا خفاء في أنّه ليس من وضع المظهر موضع المضمر إذ ليست المذكّرة هي الناسية إلّا أن يجعل إحداهما الثانية في موقع المفعول ، ولا يجوز ذلك لتقديم المفعول في موضع الإلباس ، ويصح أن يقال : فتذكرها الأخرى ، فلا بد للعدول من نكتة». وقال العصام في «حاشية البيضاوي» «نكتة التكرير أنّه كان فصل التركيب أن تذكّر إحداهما الأخرى إن