وقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) عطف على قوله : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) الآية. والمقصد التعميم في هذا الحكم في السفر للمسلمين لئلا يتوهم تخصيصه بالنبيءصلىاللهعليهوسلم. وحصل من تكرير معظم الكلمات تأكيد للحكم ليترتب عليه قوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ).
وقد تكرر الأمر باستقبال النبي الكعبة ثلاث مرات ، وتكرر الأمر باستقبال المسلمين الكعبة مرتين. وتكرر أنّه الحقّ ثلاث مرات ، وتكرر تعميم الجهات ثلاث مرات ، والقصد من ذلك كله التنويه بشأن استقبال الكعبة والتحذير من تطرق التساهل في ذلك تقريرا للحق في نفوس المسلمين ، وزيادة في الرد على المنكرين التأكيد ، من زيادة (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) ، ومن جمل معترضة ، لزيادة التنويه بحكم الاستقبال : وهي جملة (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ) الآيات ، وجملة : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وجملة : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) الآيات ، وفيه إظهار أحقية الكعبة بذلك لأن الذي يكون على الحق لا يزيده إنكار المنكرين إلّا تصميما ، والتصميم يستدعي إعادة الكلام الدال على ما صمم عليه لأن الإعادة تدل على التحقّق في معنى الكلام.
وقد ذكر في خلال ذلك من بيان فوائد هذا التحويل وما حفّ به ، ما يدفع قليل السآمة العارضة لسماع التكرار ، فذكر قوله : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) إلخ ، وذكر قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) إلخ.
والضمير في (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) راجع إلى مضمون الجملة وهو حكم التحويل فهو راجع إلى ما يؤخذ من المقام ، فالضمير هنا كالضمير في قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) [البقرة : ١٤٦].
وقرأ الجمهور (عَمَّا تَعْمَلُونَ) بمثناة فوقية على الخطاب ، وقرأه أبو عمرو بياء الغيبة.
وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) علة لقوله : (فَوَلُّوا) الدال على طلب الفعل وامتثاله ، أي شرعت لكم ذلك لندحض حجة الأمم عليكم ، وشأن تعليل صيغ الطلب أن يكون التعليل للطلب باعتبار الإتيان بالفعل المطلوب. فإن مدلول صيغة الطلب هو إيجاد الفعل أو الترك لا الإعلام بكون الطالب طالبا وإلّا لما وجب الامتثال للآمر فيكتفى بحصول سماع الطلب لكن ذلك ليس مقصودا.