وقد كانت العرب في الجاهلية تغضب فتقسم بالله وبآلهتها وبآبائها ، على الامتناع من شيء ، ليسدوا باليمين باب المراجعة أو الندامة.
وفي «الكشاف» «كان الرجل يحلف على ترك الخير من صلة الرحم ، أو إصلاح ذات البين ، أو إحسان ، ثم يقول أخاف أن أحنث في يميني ، فيترك فعل البر فتكون الآية واردة لإصلاح خلل من أحوالهم.
وقد قيل إن سبب نزولها حلف أبي بكر ألا ينفق على ابن خالته مسطح بن أثاثة لأنه ممن خاضوا في الإفك. ولا تظهر لهذا القول مناسبة بموقع الآية. وقيل : نزلت في حلف عبد الله بن رواحة ألا يكلم ختنه بشير بن النعمان الأنصاري ، وكان قد طلق أخت عبد الله ثم أراد الرجوع والصلح ، فحلف عبد الله ألا يصلح بينهما. وإما على تقدير أن تكون العرضة بمعنى الشيء المعرض لفعل في غرض ، فالمعنى لا تجعلوا اسم الله معرضا لأن تحلفوا به في الامتناع من البر ، والتقوى ، والإصلاح بين الناس ، فالأيمان على ظاهره ، وهي الأقسام واللام متعلقة بعرضة ، و (أَنْ تَبَرُّوا) مفعول الأيمان ، بتقدير لا محذوفة بعد (أن) والتقدير ألا تبروا ، نظير قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] وهو كثير فتكون الآية نهيا عن الحلف بالله على ترك الطاعات ؛ لأن تعظيم الله لا ينبغي أن يكون سببا في قطع ما أمر الله بفعله ، وهذا النهي يستلزم : أنه إن وقع الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح ، أنه لا حرج في ذلك ، وأنه يكفر عن يمينه ويفعل الخير. أو معناه : لا تجعلوا اسم الله معرضا للحلف ، كما قلنا ، ويكون قوله : (أَنْ تَبَرُّوا) مفعولا لأجله وهو علة للنهي ؛ أي إنما نهيتكم لتكونوا أبرارا أتقياء مصلحين ، وفي قريب من هذا ، قال مالك «بلغني أنّه الحلف بالله في كل شيء» وعليه فتكون الآية نهيا عن الإسراع بالحلف لأن كثرة الحلف. تعرض الحالف للحنث. وكانت كثرة الأيمان من عادات الجاهلية ، في جملة العوائد الناشئة عن الغضب ونعر الحمق ، فنهى الإسلام عن ذلك ولذلك تمدحوا بقلة الأيمان قال كثيّر :
قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
وإن سبقت منه الأليّة برّت |
وفي معنى هذا أن يكون العرضة مستعارا لما يكثر الحلول حوله ، أي لا تجعلوا اسم الله كالشيء المعرّض للقاصدين. وليس في الآية على هذه الوجوه ما يفهم الإذن في الحلف بغير الله ، لما تقرر من النهي عن الحلف بغير اسم الله وصفاته.
وقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل ، والمراد منه العلم بالأقوال والنيات ، والمقصود