كان من عادتهم إذا تحالفوا أن يمسك المتحالفان أحدهما باليد اليمنى من الآخر قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : ١٠] فكانوا يقولون أعطى يمينه ، إذا أكد العهد. وشاع ذلك في كلامهم قال كعب بن زهير :
حتى وضعت يمينى لا أنازعه |
|
في كف ذي يسرات قيله القيل |
ثم اختصروا فقالوا صدرت منه يمين أو حلف يمينا ، فتسمية الحلف يمينا من تسمية الشيء باسم مقارنه الملازم له ، أو من تسمية الشيء باسم مكانه ؛ كما سمّوا الماء واديا وإنما المحل في هذه التسمية على هذا الوجه محل تخييلي.
ولما كان غالب أيمانهم في العهود والحلف ، وهو الذي يضع فيه المتعاهدون أيديهم بعضها في بعض ، شاع إطلاق اليمين على كل حلف ، جريا على غالب الأحوال ؛ فأطلقت اليمين على قسم المرء في خاصة نفسه دون عهد ولا حلف.
والقصد من الحلف يرجع إلى قصد أن يشهد الإنسان الله تعالى على صدقه في خبر أو وعد أو تعليق ، ولذلك يقوله : بالله أي أخبر متلبسا بإشهاد الله ، أو أعد أو أعلّق متلبسا بإشهاد الله على تحقيق ذلك ، فمن أجل ذلك تضمن اليمين معنى قويا في الصدق ، لأن من أشهد بالله على باطل فقد اجترأ عليه واستخف به ، ومما يدل على أن أصل اليمين إشهاد الله ، قوله تعالى : (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) [البقرة : ٢٠٤] كما تقدم ، وقول العرب يعلم الله في مقام الحلف المغلظ ، ولأجله كانت الباء هي أصل حروف القسم لدلالتها على الملابسة في أصل معانيها ، وكانت الواو والتاء لاحقتين بها في القسم الإنشائي دون الاستعطافي.
ومعنى الآية إن كانت العرضة بمعنى الحاجز نهي المسلمين عن أن يجعلوا اسم الله حائلا معنويا دون فعل ما حلفوا على تركه من البر والتقوى والإصلاح بين الناس فاللّام للتعليل ، وهي متعلقة بتجعلوا ، و (أَنْ تَبَرُّوا) متعلق بعرضة على حذف اللام الجارة ، المطرد حذفها مع أن ، أي ولا تجعلوا الله لأجل أن حلفتم به عرضة حاجزا عن فعل البر والإصلاح والتقوى ، فالآية على هذا الوجه نهي عن المحافظة على اليمين إذا كانت المحافظة عليها تمنع من فعل خير شرعي ، وهو نهي تحريم أو تنزيه بحسب حكم الشيء المحلوف على تركه ، ومن لوازمه التحرز حين الحلف وعدم التسرع للأيمان ، إذ لا ينبغي التعرض لكثرة الترخص.