اعتقلنى ، وإن أنكرت استحلفنى ، أفتنا يرحمك الله. فبكى القاضى وأخرج منديلا من كمّه ، ووزن العشرين دينارا لربّ المال ، فقال له : ما هذا يا سيدى؟
قال : خلاص هذه القضية (١) ، وقرأها عليه ، فقال له : يا سيدى ، أى شىء أردت بهذا؟ قال : الأجر والثّواب. فقال ربّ المال : أنا أولى بذلك وأحق ، والله لا أطالبه أبدا. فهمّ المطلوب أن يقوم ، فقال القاضى : هؤلاء خرجوا لله ، لارجعت فيهم (٢) ، فتخلص الرجل من العشرين ، وتحصّل على العشرين الأخرى. ويقال : إن المديون امتنع ، فتصدّق القاضى بها.
وكان سبب عزله عن القضاء ، أنّ رجلا من الجند خاصم إنسانا وقذفه (٣) ، فرفعه خصمه إلى الحاكم وادّعى عليه ، وشهد عليه شاهد واحد ، وذهب الخصم ليحضر له الشاهد الآخر ، فأمر القاضى بحبس الجندى حتى يحضر الرجل الشاهد الآخر ، ويقام على الجندى الحد ، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد (٤) فأخرج الجندى من السجن ، فلما بلغ الخير ذلك اعتزل فى بيته وترك الحكم ، فأرسل إليه أبو عون فى ذلك ، فقال : لا أرجع حتى يردّ الجندىّ إلى مكانه ، فلم يردّ ، وتمّ على عزمه. فقال له (٥) : فأشر علينا برجل نوليه. فقال : غوث (٦) بن سليمان الحضرمى.
__________________
(١) فى «ص» : «المسألة» مكان «القضية».
(٢) فى «ص» : «لا رجعة لهم».
(٣) وردت هذه القصة فى «ص» فى غير هذا الموضع ، وبها اختلاف يسير فى سياقها ، وما أثبتناه هنا عن «م».
(٤) وكان أبو عون أميرا على مصر. وفى «م» : «ابن عون» فى الموضعين والتصويب من الولاة والقضاة للكندى.
(٥) أى : ابن عون ، وفى «م» : «قالوا» : وما أثبتناه عن الكواكب السيارة.
(٦) فى «ص» والكواكب السيارة : «عون» مكان «غوث» ، تصحيف ، والصواب ما أثبتناه. وانظر ترجمة غوث بن سليمان فى كتاب الولاة والقضاة للكندى ص ٣٧٣ ـ ٣٧٦ وغيرها من الصفحات.