قال : فقدمنا على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، المدينة ، فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت فقلت : يا رسول الله ، إنى أبايعك أن يغفر لى ما تقدّم من ذنبى ولا أذكر ما تأخر .. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «يا عمرو ، بايع ، فإن الإسلام يجبّ ما قبله (١) ـ وفى رواية محمد بن إسحاق : يهدم ما كان قبله ـ وإنّ الهجرة تجبّ ما كان قبلها». قال : فبايعته ثم انصرفت.
وروى عن عمرو بن العاص ، رضى الله عنه ، أنه قال : بعث إلىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال : «خذ عليك ثيابك وسلاحك» .. قال : فأخذت علىّ ثيابى وسلاحى ، ثم أقبلت إلى رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، فوجدته يتوضّأ ، فصوّب النظر ثم طأطأه ، ثم قال : «يا عمرو ، إنى أريد أن أبعثك على جيش يغنمك الله ويسلمك (٢) ، وأرغب إليك رغبة من المال صالحة». فقلت : والله يا رسول الله ما أسلمت للمال ، ولكن أسلمت رغبة فى الإسلام ، وأن أكون معك .. فقال : «يا عمرو (٣) ، نعم المال الصّالح مع الرجل الصالح» (٤).
فوجّهه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى السلاسل (٥) من بلاد قضاعة فى ثلاثمائة ، فكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستمدّه ، فأمدّه بجيش فيه مائتا فارس من المهاجرين والأنصار من أهل الشرف ، منهم أبو بكر وعمر ، رضى الله عنهم.
__________________
(١) «ما قبله» عن «م». ويجبّ : يقطع ويمحو.
(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «وسلمك». تصحيف.
(٣) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «فقال عمرو» والقائل هنا الرسول.
(٤) قوله : «مع الرجل الصالح» عن «ص» ولم ترد فى «م».
(٥) السلاسل : ماء بأرض جذام ، وبذلك سمّيت غزاة «ذات السلاسل» .. وقال أبو حاتم ابن حبّان : غزوة «السلاسل» كانت فى أيام معاوية ، وغزوة «ذات السلاسل» كانت فى أيام النبي صلّى الله عليه وسلم .. وفى غزوات الرسول وسراياه لابن سعد أن «ذات السلاسل» وراء وادى القرى ، وبينها وبين المدينة عشرة أيام ، وكانت فى جمادى الآخرة سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
[انظر غزوات الرسول وسراياه لابن سعد ص ١٣١ سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، وانظر معجم البلدان ج ٣ ص ٢٣٣ مادة «السلاسل»].