وسافر إنسان أودع عنده ألفا من الذهب (١) ، فلما جاء من سفره رآه على تلك الحالة ، بعد العزّ والغنى ، فظن أن الجميزى فرّط فى ماله ، فسلّم على الجميزى وقال : أين (٢) مالى؟ قال : موجود .. فأخذه وجاء به إلى منزله ، وحفر مكانا فى داره ، وطلع بالكيس مختوما بختم صاحبه .. فقال له صاحب المال : خذ منه ما تريد .. فقال : لا آخذ أجرا على أمانتى ، سر مع السلامة .. ثم عاد الجميزى إلى بيع الجميز على جارى العادة السابقة .. ثم إنّ الرجل الذي أودع عنده المال مرض بعد مدّة ، فأرسل إلى الجميزى ، فلما حضر إليه (٣) قال له : يا سيدى قد حضر من أمر الله ما ترى (٤) ، فخذ هذا المال عندك ، وهذا الولد ولد صغير ، علّمه واصرف عليه من هذا المال الباقى ، وإلّا فأنفقه عليه بالمعروف .. ثم مات .. فكان ينظر فى وجه الطفل كل يوم نظرة إلى أن كبر وآنس رشده (٥) ضمّ إليه ماله ، والجميزى فقير لا مال له ، يقيم اليوم والليلة لا يجد ما يتقوّت به ، ولم يأخذ من مال الطفل شيئا.
مشهد القاضى بكار بن قتيبة (٦) :
وفى مقابل قبره من جهة القبلة قبر القاضى الإمام ، الوليّ الهمام بكّار (٧) بن قتيبة بن أسد بن أبى برذعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن
__________________
(١) هكذا فى «م» .. وهذه أيضا لم ترد فى «ص» بهذه الصورة بل وردت مختصرة السياق.
(٢) فى «م» : «أى» ، تصحيف.
(٣) فى «م» : «إلى عنده» .. وفى «ص» : «وكان له صاحب له مال ، وكان له طفل صغير ، فلما حضرته الوفاة أوصى صاحبه بولده وسلم إليه المال ..» الخ.
(٤) فى «م» : «حضر فى أمر الله كما ترى».
(٥) أى : علم وتبيّن منه اهتداء لحسن التصرف فى المال.
(٦) هذا العنوان من عندنا.
(٧) فى «م» : «أبى بكرة» وهى كنيته. وهو : بكار بن قتيبة بن أسد الثقفى ، من ولد أبى بكرة الصحابىّ ، فقيه ومحدّث ، وقاضى الديار المصرية ، ولّاه المتوكل القضاء بمصر سنة ٢٤٦ ه ، وله أخبار فى العدل والعفّة والنزاهة والورع ، وكانت وفاته فى ذى الحجة سنة ٢٧٠ ه.