من أنّ ثبوت الأحكام في الجملة من ضروريّات الدّين ، فما دلّ على ثبوت الأحكام إجمالا من الضرورة وغيرها مثل عمومات الآيات والأخبار الدالّة على ثبوت التكاليف إجمالا ، أدلّة لكن إجمالا لا تفصيلا. وهذا لا يسمّى فقها ، بل الفقه هو معرفة تلك الأحكام الإجمالية من الأدلّة التفصيليّة.
والعجب من فحول العلماء كيف غفلوا عن ذلك ، ولم يسبقني الى ما ذكرته أحد فيما أعلم.
ثمّ إنّهم أوردوا على الحدّ بأمرين (١) :
الأوّل : أنّ «الفقه» أكثره من باب الظنّ لابتنائه غالبا على ما هو ظنّي الدلالة أو السّند ، فما معنى العلم (٢)؟
واجيب عنه بوجوه ، أوجهها :
أنّ المراد ب : «الأحكام» الشرعيّة أعمّ من الظاهريّة والنفس الأمريّة (٣) ، فإنّ
__________________
(١) وقد ذكرهما في «المعالم» ص ٦٩
(٢) فما معنى العلم : بعد ما عرّفناه بأنّه إدراك الشيء بحقيقته أو المعرفة واليقين. وبناء على ما مرّ لا يكون التعريف جامعا لجميع أفراد المعرّف لخروج أغلب مسائل الفقه عنه لكونها ظنيّات باعتبار أدلّتها دلالة أو سندا أو هما معا ، حيث منها ما هو ظنّي الدلالة والسند معا كخبر الواحد في متن كان من الظواهر. ومنها ما هو ظنّي الدلالة مع قطعيّة السند كظواهر الكتاب. ومنها ما هو ظنّي السند مع قطعيّة الدلالة كخبر الواحد في متن كان من قبيل النصوص مثلا.
(٣) المراد بالأحكام الشرعية أعم من الظاهريّة والنفس الأمرية أي معنى يعمّ القسمين ، بأن يكون أمرا جامعا لهما وقدرا مشتركا بينهما ، وهو الحكم الفعلي الذي هو عبارة عمّا تعلّق بالمكلّف ووجوب التعبد به بحيث يستحق العقاب على مخالفته.
والحكم النفسي الأمري هو الحكم الواقعي ، وهو في عرفهم عبارة عما يتعلّق بالواقعة ـ