وهو ميمون النقيبة ، مبارك الذات والفعل ، أمّا بركة ذاته فلطهارتها بالطاعة والمعرفة والفناء في مرضاة الله مع علمه البالغ وفضله العظيم الجمّ ، وأمّا بركة الفعل فقد شاهدته عقد الزواج لشابّ على فتاة ، وبعد العقد ابتلي الزوج بداء كان منه على أشدّ نواحي الخطر ، يكاد أن يكون ميؤسا منه ، ثمّ عافاه الله وعاد إلى الصحّة الكاملة ، وتزوّج الزوجة التي عقدها الشيخ له ، فاتّفق أن اجتمعت بأحد العلماء فتذاكرنا ما جرى لهذا الشابّ فقال لي : أمّا أنا فكنت على رجاء قوي ، لم أيأس كما يئس الناس ؛ لأنّ العاقد له كان الشيخ ، فإنّه الميمون المبارك ، قد جرّب أنّه ما عقد لشخص فخاب زواجه.
وكان ـ طاب مثواه ـ حليما ، يسعني أن أقول : إنّه ما رئي غضب لنفسه أو لأمر من أمور الدنيا ، ولكنّه كان يتأجّج نارا ويتميّز غيظا إذا هتكت عصمة من عصم الدين.
لقد كان أعلى الله مقامه مضرب المثل في التقوى والعدالة عند الناس ، حتّى إنّي كنت أتصوّره أنّه معصوم غير واجب العصمة ، والناظر إليه يحسّ أنّه يواجه وجها تنطق أساريره بمعنوية الهداية ونور الهدى ، وكنت أقصده للائتمام به في الصلاة ، فإنّه ـ مضافا إلى كونه في أقصى درجات العدالة ـ فقد كانت له في الصلاة نغمة ، ولا سيّما في قنوته ، فكأنّها تأخذ بيدك فترفعك إلى نور معرفة الله ، وكأنّك ترى الجنّة والنار ماثلتين بين عينيك بإيحاء من تأثير صوته الخاشع ، وعذوبة لهجته ، وكمال معرفته ، ومعراجيّة نفسه ، واتّصالها به تبارك وتعالى فناء وعرفانا.
وكان ـ رحمهالله ـ من المجتهدين القلائل الّذين تلقّوا حوادث تطوّر الزمن بنفس متفتّحة بعيدة عن التزمّت ، فنظر بذلك إلى الحياة نظرة سمحاء ، ومتى واتاه الدليل أو قامت عنده الحجّة الشرعية أجاز ما يسهّل