العارف الكامل والمحقق الواصل الأستاذ الفاضل الصوفي المعتقد.
ولد في محرم سنة تسع ومائة وألف بسرمين ، وبها نشأ في تربة والده إلى سنة عشرين ، فتوفي والده وخلف خال المترجم الشيخ إسماعيل ، وهو من أهل العلم والصلاح ، وأوصاه بأن يحسن تربية المترجم ، فأتى به خاله إلى محل إقامته في إدلب فقرأ بها القرآن في أيام قلائل ، ثم صار يتقنه على مذهب الإمام الشافعي على العارف المشهور الشيخ عمر الفتوحي.
ثم صار يتردد إلى حلب لأجل طلب العلم ، فقرأ على الشيخ عبد القادر المخملجي المقيم بالمدرسة الشعبانية ، وعلى الشيخ إبراهيم المقيم بالأشرفية الفقه والعربية وغيرهما ، وكتب له إجازة.
ففي سنة اثنتين وثلاثين توفيت زوجته ومن حصل له منها من الأولاد وهو في حلب ، فقطن بها للإشغال والاشتغال ، وقرأ على شيخ الشافعية بزمنه الشيخ جابر الفقه والحديث ، وعلى الشيخ سليمان النحوي المعاني والمنطق والبيان وغير ذلك ، وحضر العلامة أبا السعود الكواكبي تفسير البيضاوي مع جملة فضلاء ذلك العصر إلى أن برع في العلوم المذكورة وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية.
وفرغ له شيخه الشيخ عبد القادر المذكور عن وظيفة الحديث في الجامع الأموي بحلب وجامع بشير باشا ، فقام بهما والشيخ يتناول معلوم الوظيفتين إلى أن توفي الشيخ واستمر على الإقراء مدة مديدة. ثم إنه ترك جميع ذلك وانقطع عن الناس في البيت وأقبل على شأنه.
وكان له معرفة تامة ويد طولى في الفنون الغريبة والاشتغال بها ، وتآليفه جليلة فيها ، لكنه لم يتظاهر بمعرفة شيء وأحرق جميعها ولم يبق شيئا لا له ولا لغيره ، وأعرض عن ذلك كله ، وكان كلما حدث بشيء من ذلك يبكي ويستغفر. وأقبل على الاشتغال بعلم السادة الصوفية ومطالعة كتبهم ولم يكن قبل ذلك مشتغلا بالعلوم المذكورة ، بل كان مكبا على العلوم الرسمية.
ثم إن خاله المذكور قبيل وفاته أرسل له بالخلافة والإجازة ، ومن جملة ما كتب له :
هذا وقد حبب إليّ أن أجيز مولانا بما أجيز لنا به تطفلا مني على سبيل الهجوم ، وإن كان غنيا عن ذلك بما حواه من دقائق العلوم ، فكمالاته العلية لا تحتاج إلى نقصان ، لكن