وهنا اضطربت الآستانة والسلطان ورجال المابين والباب العالي ، وكانت الدول تهزأ بهم إلا القليل ، والقسم الأعظم من الناس يسخرون بهم ويقولون إنهم متهورون ومجانين ، وصارت الرسل تأتيهم المرة بعد المرة ناصحة لهم على حركتهم هذه ومهددة لهم ومنذرة لهم بسوء العاقبة والتنكيل بهم بالقوة تارة وباللين أخرى. وكان كل ذلك لا يثني من عزيمتهم ولا يؤثر على إقدامهم ، عاملين بمقتضى قول الشاعر :
ما أدرك الطلبات مثل مصمم |
|
إن أقدمت أعداؤه لم يحجم |
وكان وزراء الدول المتفقة بعد الهدنة تعقد الاجتماعات في لوندرة وباريس وتتذاكر في أمور الصلح ، فقرروا فيما بينهم شروط الصلح مع الدولة العثمانية ودعوا رجال الباب العالي لإمضائها بلا قيد ولا شرط ، فذهب وفد تحت رئاسة فريد باشا الصدر الأعظم إلى باريس وأمضوا تلك المعاهدة ، وتسمى معاهدة (سيفر).
وعلى ما تتضمنه هذه المعاهدة ستكون الدولة مغلولة الأيدي وتحت سيطرة دولتي إنكلترة وفرانسة ولا حول لها ولا طول.
فبلغ ذلك رجال القوى الملّية فقاموا لذلك وقعدوا واضطربت في أفئدتهم نيران الحمية والإقدام ، فصاروا يبلغون احتجاجاتهم المرة اللهجة إلى السلطان والوزراء وللدول جميعا.
وكانت هذه الاحتجاجات تقع على السلطان ووزرائه أشد الوقع. وكان لوئيد جورج وكثير من وزراء الإنكليز وقسم كبير من رجال السياسة الإفرنسية يسخرون ويهزؤون بأقوالهم وأفعالهم ويسمونهم عصابة أشقياء وبغاة ، ويقولون إنه يمكن تأديبهم والتنكيل بهم بزمن قليل وبقوة قليلة. وأوعزت دولة إنكلترة إلى السلطان وحيد الدين ووزرائه أن يجهزوا للتنكيل بهم ، فجهز الجيش وسمي جيش الخليفة وأمّر عليه سليمان شفيق باشا الذي كان ناظرا للحربية في تلك الآونة. ولما وصل جيش الخليفة إلى ساحة القتال وتقارب الجيشان من بعضهما ما أخذ كثير من ضباط جيش سليمان شفيق باشا وقسم من الجند يفرون ويلتجئون إلى الجيوش الملّية وصاروا في صفوفهم ، وهناك جرت محاربة كان النصر فيها للقوى الملّية ، فانهزم شفيق باشا شر هزيمة ونجا بنفسه.
ولما رأت الآستانة من هؤلاء الرجال هذا الإقدام وتلك الهمة الشماء أخذت تسلك معهم طريق الملاينة والمسالمة ، ولكنهم لم يعيروا سمعا لأقوالهم الخلابة ، ولم يؤثر فيهم