وعمرت بالدروس والطلاب وقتئذ. وبعد أن تولى الإفتاء انجمع عن الناس وترك الاجتماع بهم ، بل وما كان ليذهب إلى مجلس الإدارة مع أنه عضو طبيعي فيه على حسب نظامات الدولة العثمانية ، وكانت ترسل إليه الأوراق فيوقع على ما شاء منها ، وامتناعه عن الذهاب كان تورعا منه رحمهالله.
وأقبل على العبادة في الجامع الكبير وفي بيته. وكان يحفظ دلائل الخيرات فكان يقرؤها في كل يوم مرة أو عدة مرات ، ويكثر من التلاوة أيضا ، ويصلي التراويح بجزء من القرآن في الحجازية التي في الجامع الكبير يؤم به الحافظ الشهير الشيخ محمد النيّال. ولم يكن فيه ما يعاب به سوى حدة في مزاجه حصلت له لما آثر العزلة على الاجتماع ، وقد كان على ما بلغني حسن العشرة كثير الانبساط.
ومن مزاياه رحمهالله أنه صادق الود لا يعرف التلون ويكره ذلك أشد الكره ، حسن النصح ثاقب الرأي ، علم ذلك منه من خالطه وعاشره.
ووضع شرحا على «الطريقة المحمدية» في مجلدين ، وحاشية على كتاب «نزهة الناظرين» في مجلد ضخم ، وشرح «دلائل الخيرات» و «بداية الهداية» للغزالي في مجلد ، وشرح «المراح» و «الأمثلة» ، وله رسالة في التوحيد والفتاوي التي أفتى بها في هذه المدة.
وقبل وفاته ترك التدريس لضعف ألم في جسمه كان يحول بينه وبين مطالعة دروسه ، غير أنه زاد في الإقبال على التعبد والتلاوة على ما قدمنا.
وما زال على ذلك إلى أن توفي في شعبان سنة ١٣١٦ ودفن في تربة السفيري خارج باب المقام ، وكانت له جنازة مشهودة حضرها الخاص والعام ، وكان الأسف عليه كثيرا لفقد الناس به ركنا عظيما من أركان العلم في الشهباء وعلما من أعلامه.
وكان أمينا للفتوى في عهد ولايته الإفتاء شيخنا الشيخ محمد الزرقا وشيخنا الشيخ محمد الجزماتي ، وكاتب الإفتاء الشيخ كامل الموقت ، وناهيك بهؤلاء علما وفضلا.
وأرّخ وفاته الشاعر الشهير الشيخ محمد الوراق بأبيات نقشت على لوح قبره ، وقد أعطاني ولده الشيخ مصطفى الورقة التي فيها الأبيات بخط الوراق وتوقيعه وهي :
جدث به حل الهمام الأوحد |
|
كنز التقى والمكرمات السيد |