ورحل معه إلى زيارة بيت المقدس ، وفي هذه الرحلة حفظ المترجم «جمع الجوامع» الأصولي عن ظهر قلب. ولم يزل مشتغلا في تحصيل العلوم حتى مهر وبهر وصار في عصره ممن برع واشتهر. ثم رجع إلى بلده حلب الشهباء ولازمه الطلبة وانتفعوا به ، وصار العلم في حلب وملحقاتها لا يرفع سنده إلا إليه في الغالب لفقد العلماء بسبب الطاعون الذي حصل في حلب وملحقاتها سنة ١٢٦٤ أيام إبراهيم باشا المصري ، إلى أن رحم الله تلك الجهة بالمترجم وبتلميذه شيخنا الشهاب أحمد الترمانيني ، فأحيا بهما العلم بعد دروسه وانطماس آثاره في حلب وملحقاتها ، كل ذلك مع اشتغال المترجم بإحياء المدارس والمساجد التي تقادم العهد عليها واندرس معظمها لا سيما في زلازل سنة ١٢٣٧ ، وضبط الناس ما بقي من أوقافها فأحيا من ذلك القدر الكثير ، ومن جملتها المسجد الكائن في وسط الزقاق الواقع شرقي الخان المعروف بخان الكمرك (١) ، وكان بعض الأجانب قد استولى عليه وجعله مربطا للدواب. وقصة تخليصه من يد الأجنبي معروفة مشهورة.
وكان رحمهالله مع اشتغاله بجميع ذلك مشتغلا بأمور العامة والشفاعة لهم عند الحكام وولاة الأمور ، وكان مقبول الشفاعة مرعي الجانب نافذ الأمر مسموع الكلمة ، لم يعهد أنه رد في أمر توجه به ، وكان يعيب على شيخنا الشيخ أحمد الترمانيني عزلته عن الناس وانفراده بخويصّة نفسه ويقول : إن الله يسأل العالم عن جاه العلم.
واستدعاه السلطان عبد المجيد خان عليه الرحمة والرضوان مع من استدعاهم من علماء المملكة العثمانية للإعزاز الذي أعده لختان أولاده ، ولما أذن للمترجم بالمثول لدى الحضرة الشاهانية دخل فابتدأ بالسلام المسنون وصافح أمير المؤمنين وقرأ ويده في يده سورة
__________________
(١) قال أبو ذر في كنوز الذهب في الكلام على الدروب : هذا الدرب يعرف قديما بدرب الحصادين وبه مسجد متسع عمره أبو الفتح مسعود ابن الأمير سابق الدين عثمان في سنة خمس وستماية. وسابق الدين هو ابن داية نور الدين محمود. وكان بهذا الدرب مسجد آخر معلق وقد خرب ودرجه باق. وبه مطهرة عمرها أقوش أستادار ألطنبغا كافل حلب ا ه.
أقول : أما المسجد فهو باق يقرىء فيه بعض المشايخ الأطفال وهو الذي حاول بعض الأجانب الاستيلاء عليه ، وأما المسجد المعلق فلا وجود له ، والمطهرة دخلت في عمارة خان الكمرك وأثرها باق في أول هذا الزقاق من جهة الأسواق ، وبجانبها حانوت مسدود دخل في عمارة الخان أيضا وقد كتب على حجرة فوقه : (هذا الحانوت وقف على الطهارة).