وكان المترجم يوما في بستان قيصر ومعه الشيخ عبد القادر الحسبي نائب المحكمة الشرعية ونخبة من الفضلاء والأدباء ، وقد غنى المغنون ، وكانت البلابل تغرد فوق الأغصان ، وقد طرب الحاضرون ، فارتجل الشيخ عبد القادر أبياتا خاطب بها المترجم مختبرا لقريحته :
ما للبلابل قد علت أصواتها |
|
وغدت على أفنانها متصادحه |
وتقننت بالصدح فوق رؤوسنا |
|
من غير أن نومي لهن بجارحه |
أتظن أن الصدح منها فوق ما |
|
يبديه منا من أجاد قرائحه |
فأتت تفاخرنا بحسن بيانها |
|
ويريد كل أن يبين ملائحه |
فاكشف لنا هذا الذي قد رابنا |
|
لازلت وافر كل خير رابحه |
فأجابه المترجم ارتجالا :
ما ظنها ذاك التفاخر بل رأت |
|
منا وجوها في الهوى متناصحه |
وغدا البنان مزركشا أوصاف من |
|
بهواه أفئدة الورى متطافحه |
فأتت تساعدنا بنظم مديحه |
|
وتبث أوصافا لديه راحجه |
إذ كل من ذاق الغرام يسره |
|
ذكر الحبيب ولو طيورا صادحه |
هذا الذي قد لاح لي من صدحها |
|
يا من له عين المعالي طامحه |
وكان المترجم جميل الوجه أبيض اللون مشربا بحمرة طلق الوجه حلو المحاضرة قوي الحجة مهابا مقداما ميالا لركوب الخيل واقتنائها ، يتعاطى مع التدريس ونشر العلم الزراعة والتجارة ، محبا لفعل الخير واصطناع المعروف ، متباعدا عن مخالطة الأمراء والحكام محبوبا لديهم ، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، مدافعا عن وطنه خصوصا في زمن الحكومة المصرية ، فإنه كان يجسر على أميرها إبراهيم باشا وينهاه وجنوده عن ارتكاب المظالم واقتراف الآثام.
وقبل دخول إبراهيم باشا المصري إلى هذه الديار وقعت حادثة مهمة كان للمترجم فيها اليد البيضاء على كثير من علماء وأعيان حلب ، وذلك أنهم كانوا اجتمعوا ذات ليلة بأمر من السلطان محمود ووقّعوا على فتوى تقضي بأن إبراهيم باشا من أهل البغي ، وأنه خارج عن إمام المسلمين محمود بغير حق ، وأنه يجب على كل من له قدرة على القتال أن