كان فاضلا محققا فطنا بارعا متوقد الذهن والفكر ، وكان والده كرديا من نواحي شهرزور قدم إلى دمشق وتولى خطابة خان قرية النبك وتزوج بامرأة من القرية المذكورة وأولدها عدة بنين وبنات.
ولد في ابتداء هذا القرن ، وقرأ على والده بعض مقدمات على مذهب الإمام الشافعي ، وحبب له الطلب فرحل لدمشق ونزل بمدرسة السميساطية وقرأ على المجاورين بها وأكثر على أستاذه الشيخ أحمد المنيني وبه تدرب وصار طباخا في المدرسة المرقومة ، غير أنه كان يناضل في الانتقاد ويساهم في الاعتقاد. ولم يزل في ضنك من العيش ، ولم تخل حركاته من طيش. وحصلت منه هفوة حمله الحمق بسببها ، على أنه أقرّبها لدى الشرع ، وخشي من إقامة الحد عليه ، وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق ، فخرج منه خائفا وقصد مدينة إسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة ، وأمن من زمانه تلك الصولة ، فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ، ونسي ما كان فيه ، ومشى مشية لم يكن ورثها عن أبيه ، فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ، ففارقها وفي النفوس منها ما فيها.
وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام ، وحصل له بعض وظائف ، ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه.
ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب ، وامتدحه بقصيدة وهي قوله :
هذي مناي بلغتها لأوانها |
|
فالحمد للأفلاك في دورانها |
الآن قرّت بالتواصل أعين |
|
طال اغتراب النوم عن أجفانها |
أقول : وهي قصيدة غراء طويلة سردها المرادي بتمامها اقتصرت منها على هذين البيتين خوف الإطالة. ثم أورد له كثيرا من النظم والنثر بما يطول الشرح لو نقلناه وكله غرر فارجع إليه إن أحببت الوقوف عليه. ومنه ما قاله مضمنا شطرا للفتح النحاس الحلبي :
بنفسك بادر رمّ بيتك واجتهد |
|
وإن لم تجد إحكامه واصطناعه |
ولا تدخل العمّار دارك إنهم |
|
متى وجدوا خرقا أحبوا اتساعه |
ثم قال : وكان قدم حلب صحبة واليها الوزير الراغب المقدم ذكره فتوفي بها.