( وليس في القول بأنّ أفراد الاُمّة المسؤولون عنها هم أهل الحلّ والعقد فيها ، ما يفسّر هذا الغموض أو يكشفه فمن هم أهل الحلّ والعقد ، وحلّ ماذا ؟ وعقد ماذا ؟ أهم أصحاب الفقه والرأي الذين يرجع إليهم الناس فيما ينوّبونهم من اُمور ؟ وهل هناك درجة معينة من الفقه والعلم إذا بلغها الإنسان صار من أهل الحلّ والعقد ؟ ما هي تلك الدرجة ؟ وبأيّ ميزان توزن ؟ ومن إليه يرجع الأمر في تقديرها ؟
إنّ كلمة أهل العقد والحلّ لأغمض غموضاً من كلمة « الأفراد المسؤولون » ) (١).
ولأجل غموض نظريّة الشورى برمّتها وعدم ورود نصّ واضح وصريح حولها قال الدكتور طه حسين : ( ولو قد كان للمسلمين هذا النظام المكتوب ( ويعني نظام الشورى ) لعرف المسلمون في أيّام عثمان ما يأتون من ذلك ، وما يدعون دون أن تكون بينهم فرقة أو اختلاف ) (٢).
ولذلك ـ أيضاً ـ يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب ، وهو يشير إلى أنّ قضيّة الشورى كانت مجرّد تجربة وليس قانوناً إسلاميّاً أخذ به ، كما يشير إلى ما في هذه القضية من نواقص وعيوب وما تركته من أثار سيّئة على الفكر الإسلاميّ :
( ينظر بعضهم إليه على أنّه ( أي تعيين الإمام بالشورى ) نواة صالحة لأوّل تجربة وأنّ الأيّام كفيلة بأن تنمّيها ، وتستكمل ما يبدو فيها من نقص ، فلم تكن الأحوال التي تمّت فيها هذه التجربة تسمح بأكثر ممّا حدث ، إذ لم يكن من المستطاع ـ حينذاك ـ الوقوف على رأي الاُمّة كلّها فرداً فرداً ؛ فيمن يخلف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وينظر بعض آخر إلى هذا الاُسلوب بأنّه اُسلوب بدائيّ عالج أهمّ مشكلة في الحياة ، وقد كان لهذا الاُسلوب أثره في تعطيل القوى المفكّرة للبحث عن اُسلوب آخر من أساليب الحكم التي جربتها الاُمم ) (٣).
هذا كلّه حول ( الشورى ) ، وكونها صيغة الحكم ومنشأه عقيب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة.
__________________
(١ و ٢) الخلافة والإمامة : ٢٧١.
(٣) الخلافة والإمامة : ٢٧٢.