والتوراة ، (١) لا يدخل هرقل مدينة حمص إلاّ أن نغلب ونجهد ، فأغلقوا الأبواب وحرسوها ، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود ، وقالوا : إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنّا عليه [ من الظلم والحرمان ] وإلاّ فإنّا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد.
فلمّا هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين ، فتحوا مدنهم ، وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدّوا الخراج ) (٢).
هذا ، والشواهد والأمثلة التاريخية على هذا الموضوع أكثر من أن تحصى.
وقد بلغ تسامح الدول الإسلاميّة في التاريخ حداً عجيباً ، إذ أشرك المسيحيون وغيرهم في الأجهزة الحكوميّة ، وهو يدل على العناية القصوى بغير المسلمين.
وستوافيك هذه النصوص وغيرها عند البحث عن السلطة القضائية وحقوق الأقلّيات في الإسلام ، وما ذكرناه هنا سوى لمحة عابرة اقتضاها المقام.
ليس من الغريب أن تتبادر إلى أذهان البعض من شعوب الشرق ـ عند سماع اسم الحكومة ـ صورة مخيفة عن الحكومات الجائرة والحكام الجائرين ، فإنّ شعوب هذه المنطقة عانت طوال قرون متمادية أسوأ أنواع الظلم والاضطهاد على أيدي الحكومات المستبدّة.
ولذلك ، سرعان ما يتبادر إلى أذهانهم صورة الحاكم القاهر ، والأمير المتسلّط الذي يمتصُّ دماء الناس ، وينهب أموالهم ، ويتحالف مع أضرابه من الظالمين ومع القوى الأجنبيّة لترسيخ دعائم عرشه. ولكنّ الغاية التي يتوخاها الإسلام ، ليست هي
__________________
(١) أي قسماً بالتوراة.
(٢) فتوح البلدان للبلاذري ( المتوفّى سنة ٢٧٩ ه ) : ١٤٣ ، وراجع أيضاً ( الدعوة إلى الإسلام ) للسير توماس ارنولد.