فقد ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذمّوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم » (١).
وهو كلام صريح في الأصل المذكور.
ولكنّ المتأمّل في تلك النصوص والقرائن الحافّة بها يجد أن هذا النهي والتحريم يختصّان بالأسرار الفرديّة التي لا تمتّ إلى المجتمع بصلة ، ولا ترتبط بمصالح الاُمّة بوشيجة.
فعندما يتعلّق الأمر بالمصالح العامّة لا يمكن التغاضي عن أسرار الفرد ، وقضاياه ، إذ من البديهيّ في تلك الصورة ـ أن تترجّح المصالح العامّة على المصالح الخاصّة ، وإلاّ تعرّضت الاُمّة لأخطار تهدّد كيانها ، وتنذر وجودها بالفناء والدمار.
إنّ التشريع الإسلاميّ الذي ينهي بشدّة عن محاولة الاطّلاع على دخائل الناس وأسرارهم الشخصيّة ـ فيما لو كانت تخصّ بهم ـ ويحرّم اغتياب الأفراد لا يمنع من التعرّف على الاُمور التي ترتبط بمصلحة الجماعة ، بل يسمح للدولة الإسلاميّة بجمع المعلومات الصحيحة المفيدة لوضعها تحت تصرّف الحاكم الإسلاميّ ، حتّى يتحرّك على ضوئها ، فيتعرّف على المتآمرين ، ويبطل خططهم ومؤامراتهم حفاظاً على مصلحة الاُمّة وإبقاء على وجودها ، وكيانها من كيد الكائدين ومكر الماكرين ، وهذا أمر يؤيّده العقل السليم وتقبله الفطرة ، وتدعو إليه الحكمة ، ويقتضيه التدبير الصحيح ، والسياسة الرشيدة.
على أنّ من الطبيعيّ أن يتصوّر القارئ الكريم بمجرّد سماعه لكلمة
__________________
(١) بحار الأنوار ٧٥ : ٢١٤ نقلا عن ثواب الأعمال : ٢١٦.