الثاني : أنّ التعرف على هذا الشخص لا يتحقق بالاختبار والتجربة ، أو أنّه يصعب معرفته بهذا الطريق.
وعلى هذين الأمرين ، يجب أن يكون القائم مقام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذا تربية إلهيّة أوّلاً ، ومعرّفاً من جانبه سبحانه ثانياً ... وهذا يعيّن لون الحكومة وشكلها بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
إنّ ما ذكرناه ، عن عدم إحاطة الاُمّة ومعرفتها بكلّ معالم الشريعة الإسلاميّة وأحكامها ومعارفها على النحو الذي يعينها على حلّ مشاكلها المستحدثة ، لم يكن مجرّد ادّعاء خال من الدليل ، فلنا أن نستدل على ذلك بوجهين :
الأوّل : اعتراف ثلّة من الصحابة بعدم وجود الحلول في الكتاب أو السنّة لبعض المسائل.
الثاني : ذكر بعض الموارد التي لم يردفيها نصٌّ اسلاميٌّ صريح ، ممّا جعل المسلمين أن يأخذوا فيها بظنونهم ، أو أن يأخذوا بمقاييس ومعايير لم يرد على صحّتها دليل.
وإليك أمثلة من الوجهين :
أ ـ عن ميمون بن مهران قال : ( كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ، وإن لم يكن في الكتاب وعلم عن رسول الله في ذلك الأمر سنّة قضى بها ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين فقال : أتاني كذا وكذا ، فهل علمتم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربّما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه قضايا ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ علينا علم نبيّنا. فإن أعياه أن يجد فيه سنّةً عن رسول الله ، جمع رؤوس الناس وخيارهم فأستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به ) (١).
إنّ هذا اعتراف صريح من الخليفة والصحابيّ ، بأنّ الكتاب والسنّة النبويّة
__________________
(١) دائرة المعارف لفريد وجدي ٣ : ٢١٢ ( مادة جهد ).