ولكنّك ـ أيّها القارئ الكريم ـ اطّلعت على كيفية تصدي الخليفة الثاني والثالث للحكم ، وعرفت أنّه لم يكن هناك أي انتخاب من جانب المسلمين ، بل تم الأمر للخليفتين بالاستخلاف من جانب الخليفة السابق.
نعم ، يمكن أن يستند القائل إلى انتخاب ( ابي بكر ) و ( الإمام علي ) للحكم ، فهما تسلّما زمام الحكم والأمر بهذا الطريق.
والحق أنّ هذين الموردين هما من أهم وأوضح ما يمكن أن يستدلّ به القائل بتفويض الأمر إلى نظر الاُمّة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على مذهبه ، وهو بظاهره يتصادم مع ما شرحناه وأوردناه من الأدلة على كون صيغة الحكومة الإسلاميّة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان على التنصيص والاستخلاف لا على التفويض والانتخاب.
ولنتناول البحث حول خلافة ( ابي بكر ) اولاً ، ونعقبه بالبحث حول كيفية استتباب الأمر للإمام عليّ ثانياً.
إنّ الاستدلال على نظرية تفويض الأمر إلى نظر الاُمّة وانتخابها ، أو إلى أهل الحلّ والعقد منهم ، أو ما شابه ذلك ، بتصدي أبي بكر للخلافة ، يتوقف على أثبات أمرين ، لولا ثبوتهما لما صح الاستناد بهذا الطريق على هذا الانتخاب أبداً :
الأوّل : هل كان هناك انتخاب شعبيّ واقعيّ بحيث اجتمع المسلمون عامّة ، وتشاوروا في الأمر ودرسوا الموضوع ، فانتخبوا أبا بكر وفق الضوابط والمعايير الإسلاميّة ، أو كان هناك انتخاب محدود من جانب عدّة قليلة يهاب منها ، واتبعها الآخرون بلا تفكير ولا مشاورة ... بينما تخلف عن ذلك عدّة اُخرى ؟
الثاني : هل كان انتخاب المنتخبين لأبي بكر بأسلوب المبايعة ، ينبع من تعليم اسلاميّ ويرتكز إلى أصل جاءت به الشريعة ، وكان الداعي لهم إلى ذلك هو ما أخذوه وتعلموه من الرسول ، أو كان اتخاذهم لذلك الاسلوب ، مستنداً إلى ما كان مركوزاً في