انتسابه إلى الله ، وكونه وحياً سماوياً وليس تأليفاً بشريّاً ... إذ أنّ نزول الآيات في مواسم وأشهر وأعوام متفاوتة مع حفظ النمط الخاصّ بها ، ورغم ما تعرّض له الرسول في حياته الرسالية من شدّة ورخاء ، وعسر ويسر ، وهدوء واضطراب ، وسلم وحرب ، كان خير دليل على أنّ هذا الكلام لم يكن إلاّ وحياً يوحى إليه من إله قادر حكيم ، وخالق عليّ عليم ... فكان ذلك أظهر لعظمة القرآن ، وأقوى دليل على إعجازه.
* * *
(ج) : إنّ اتساع رقعة الدولة الإسلاميّة ، ومخالطة المسلمين للشعوب والأقوام المختلفة بسبب الفتوحات المتتالية التي قام بها المسلمون ، جعلهم أمام مشاكل مستجدّة ومسائل مستحدثة لم تكن معهودةً ولا معروفةً في عهد النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي لم تكن فيه الدولة الإسلاميّة قد توسعت كما توسعت بعد وفاته والتحاقه بالرفيق الأعلى.
فهل كان من الصحيح ـ والحال هذه ـ أنّ يبيّن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم للناس ، حلولاً لمشاكل لم تحدث بعد ، ويتحدث عن موضوعات لم يعرفوا شيئاً عن ماهيتها وتفاصيلها ، ولم يشهدوا لها نظيراً في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وانّما كانت تحدث بصورة طبيعية فيما بعد ؟.
ألم يكن بيان تلك الأحكام والحلول لتلك الموضوعات المستقبلية المجهولة عملاً غير مفيد ، بل أمراً صعباً للغاية ، لأنّه لم يكن في وسع المسلمين أنّ يدركوا معناه وهم لم يعرفوها عن كثب ولم يعرفوا لها أي مثيل ونظير ؟.
وهكذا لم يتسنّ للمسلمين أنّ يتعرّفوا على كلّ شيء فيما يتعلق بالحوادث والموضوعات الواقعة في المستقبل ، ولذلك كانوا يجهلون الكثير من الأحكام المتعلّقة بها ، والحلول اللازمة لها.
هذه كانت أهم العوامل التي حالت دون أن يستطيع المسلمين استيعاب كافة التعاليم والأحكام الإسلاميّة من النبيّ الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فلم يكن ما وعوه منه صلىاللهعليهوآلهوسلم وافياً بالحاجات المستجدة ... وهذا ما يلمسه كلّ من درس تأريخ الاُمّة الإسلاميّة في الصدر الأوّل ... وستقف على نماذج من هذه الحاجات