فجعل ابن عباس لا يأذن (١) لحديثه ولا ينظر إليه ، فقال : يا ابن عباس ، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدّثك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا تسمع ، فقال ابن عباس : إنا كنّا مرة إذا سمعنا رجلا يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب النّاس الصّعب والذّلول ، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف» (٢).
إن السّؤال عن الرواة كان شاملا لأسمائهم وكناهم وألقابهم وعشائرهم ، وشيوخهم ، ورحلاتهم إلى البلدان والأمصار ، ولقائهم المشايخ ، فضلا عن مواليدهم ووفياتهم لتبيان صدق لقائهم لمشايخهم ، ثم الآخذين عنهم وطبقاتهم ، وآراء العلماء النقاد فيهم جرحا أو تعديلا. ومن ثم توفرت مادة عن كل واحد منهم صار من المتعين تنظيمها في كتب خاصة.
أساليب عرض كتب الرجال والتراجم :
ولما كان عدد هؤلاء الرواة ضخما ومتنوعا أصبح من الضّروري إيجاد صيغ تنظيمية تيسّر على الباحث الوقوف على طلبته من غير تعب أو نصب ، فاخترعوا أشكالا متنوعة لعرض المادة التي حصلوا عليها ، وتفنّنوا في أساليب العرض والمحتوى.
فأما أساليب العرض فقد وقفنا على خمسة أنواع هي :
أولا : التنظيم على الطبقات :
ليس لدينا تحديد واضح لمعنى «الطبقة» عند المحدّثين ، فهي لم تستعمل كوحدة زمنية ثابتة ، لكنها كانت تعني اللقيا في الأغلب الأعم ، فيجمع الرواة الذين أخذوا عن شيوخ معينين في مكان واحد ، وهم في الأغلب الأعم من
__________________
(١) أي : لا يستمع.
(٢) صحيح مسلم ١ / ١٣ ، وتنظر رسالة تلميذي الدكتور عزيز الدايني : أسس الحكم على الرجال ، ص ٤٤.