دمشق ، وعرف من بها خبره ، ولم يعلموا أين مقصده ، وقد راسلوا الأفرنج بخبره وقرروا معهم (١) الإنجاد عليه ، وكانوا قد نهضوا الى ناحية عسقلان لعمارة غزة ، ووصلت أوائلهم الى بانياس ، وعرف نور الدين خبرهم ، فلم يحفل بهم ، وقال : لا أنحرف عن جهادهم ، وهو مع ذلك كاف أيدي أصحابه عن العيث والإفساد في الضياع ، وإحسان الرأي في الفلاحين والتخفيف ، والدعاء له مع ذلك متواصل من أهل دمشق وأعمالها ، وسائر البلاد وأطرافها ، وكان الغيث قد انحبس عن حوران والغوطة والمرج حتى نزح أكثر أهل حوران عنها للمحل واشتداد الأمر ، وترويع سربهم ، وعدم شربهم ، فلما وصل الى بعلبك اتفق للقضاء المقدر ، والرحمة النازلة أن السماء أرسلت عزاليها بكل وابل وطل وانسكاب وهطل ، بحيث أقام ذلك منذ الثلاثاء الثالث من ذي الحجة سنة أربع وأربعين الى مثله (١٦٧ ظ) وزادت الأنهار ، وامتلأت ، برك حوران ، ودارت أرحيتها ، وعاد ما صوح (٢) من الزرع والنبات غضا طريا ، وضج الناس بالدعاء لنور الدين ، وقالوا : هذا ببركته وحسن معدلته وسيرته.
ثم رحل من منزله بالأعوج ونزل على جسر الخشب المعروف بمنازل العساكر (٣) في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وأربعين ، وراسل مجير الدين والرئيس ، بما قال فيه : إنني ما قصدت بنزولي هذا المنزل طالبا لمحاربتكم ، ولا منازلتكم ، وإنما دعاني الى هذا الأمر كثرة شكاية المسلمين من أهل حوران والعربان ، بأن الفلاحين الذين أخذت أموالهم وشتتت نساؤهم وأطفالهم ، بيد الأفرنج ، وعدم الناصر لهم ، ولا يسعني مع ما أعطاني الله ، وله الحمد ، من الاقتدار على نصرة المسلمين ، وجهاد المشركين ، وكثرة المال والرجال ، ولا يحل لي ، القعود عنهم ، والانتصار لهم ، مع
__________________
(١) في الأصل «معه».
(٢) صوح النبات إذا يبس وتشقق. النهاية لابن الأثير.
(٣) في الأصل «العاسر» وهو تصحيف قوم من الكواكب الدرية : ١٣٤.