مما أمل ، والحال بالعكس فيما ظن ، ولم يصادف من أجناد دمشق وأحداثها إلا الثبات على القراع ، والصبر على المناوشة والمصاع (١) ، فعاد منكفئا الى عسكره ، وقد ضعفت نفسه ، وضاق لهذا الأمر صدره ، وقد كان تقرر الأمر مع الأفرنج على الإتفاق والاعتضاد والمؤازرة والاسعاد والامتزاج في دفعه ، والاختلاط في صده عن مراده ومنعه ، ووقعت المعاهدة على ذلك بالأيمان المؤكدة ، والضمان للوفاء بما بذلوه ، والتمسوا على ذلك مالا معينا ، يحمل إليهم ليكون عونا لهم على ما يحاولونه ، وقوة ورهانا تسكن بها نفوسهم وأجيبوا إلى ذلك ، وحمل إليهم المال والرهائن من أقارب المقدمين ، وشرعوا في التأهب للانجاد ، والاستعداد للمؤازرة والاسعاد ، وكاتب بعضهم بعضا بالبعث على الاجتماع من سائر المعاقل والبلاد ، على إبعاد أتابك ، وصده عن نيل الأرب من دمشق والمراد ، قبل استفحال أمره ، وإعضال خطبه ، وقوة شوكته ، واستظهاره على عصب الأفرنج وقصد بلادهم.
فحين تيقن صورة الحال في هذا العزم (١٤٨ ظ) وتجمعهم لقصده مع عسكر دمشق ، رحل عن منزله بداريا في يوم الأحد الخامس من شهر رمضان ، طالبا ناحية حوران ، للقاء الأفرنج إن قربوا منه ، وطلبهم إن بعدوا عنه ، وأقام على هذا الاعتزام مدة ثم عاد الى ناحية غوطة دمشق ، ونزل بعذراء يوم الأربعاء لست بقين من شوال ، فأحرق عدة ضياع من المرج والغوطة الى حرستا التين ، ورحل يوم السبت تاليه متشاملا ، حين تحقق نزول الأفرنج بالميدان في جموعهم ، وكان الشرط مع الافرنج أن يكون في جملة المبذول لهم انتزاع ثغر بانياس من يد إبراهيم بن طرغت ، وتسليمها إليهم فاتفق أن إبراهيم بن طرغت واليه ، كان قد نهض في أصحابه الى ناحية صور ، للإغارة عليها ، فصادفه ريمند صاحب أنطاكية في قصده واصلا إلى إسعاد الأفرنج على إنجاد أهل دمشق ، فالتقيا فكسره ، وقتل في الوقعة ومعه نفر يسير من
__________________
(١) المصاع : الجلاد والضراب. النهاية لابن الأثير.