ربيع الآخر من السنة ، فظفر بجماعة وافرة من أحداث البلد ، والغوطة ، وأطلق السيف فيهم ، فمنهم من مضى قتيلا وأسيرا ، ومنهم من عاد الى البلد سالما وجريحا ، وأشرف البلد في هذا اليوم على الهلاك لو لا لطف الله تعالى ، وعاد إلى مخيمه بمن أسر بعد من قتل ، وأمسك أياما عن الحرب ، وتابع المراسلة والتلطف في تسليم البلد ، وأخذ العوض عنه بعلبك وحمص ، وما يقترح معهما ، فآثر جمال الدين محمد بن تاج الملوك الدخول في هذا الأمر ، لما فيه من الصلاح وحقن الدماء ، وعمارة الأعمال ، وسكون الدهماء ، وأباه عند الاستشارة فيه ، وجعل يزحف بعسكره في أيام متفرقة ، بحيث لم يصدق في القتال ، ولا بالغ في التضييق والنزال ، إشفاقا من سفك الدماء ، كالكاف المسالم ، والمتأني في الوقائع والمغانم ، وابتدأ بجمال الدين (١٤٨ و) محمد ابن تاج الملوك مرض اتصل به في جمادى الأولى من السنة ، فصار يخف تارة ، ويثقل ويمضي ويعود ويقل ويزيد الى أن اشتد به اشتدادا ، وقع اليأس معه منه ، ولم يكن له فيه طب ولا راق ، ولم يزل على هذه الحال الى أن قضى محتوم نحبه ، وصار الى رحمة ربه في ليلة الجمعة الثامن من شعبان منها ، في الوقت الذي أصيب فيه أخوه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك رحمهماالله ، فعجب الناس من ذلك ، واتفاق الوقت والساعة ، وسبحوا الله وقدسوه ، وجهز ودفن في تربة جدته بالفراديس.
واجتمع رأي المقدمين وأصحاب الأمر من بعده ، على سد ثلمة فقده ، بنصب ولده الأمير عضب الدولة أبي سعيد آبق بن جمال الدين محمد في مكانه ، وأخذت له بذلك العهود المؤكدة بالأيمان المشددة ، على الإخلاص في الطاعة ، والصدق في الخدمة والمناصحة ، فاستقام الأمر ، وصلح التدبير ، وزال الخلف ، وسكنت الأمور بعد اضطرابها ، وقرت النفوس بعد استيحاشها ، وحين عرف عماد الدين أتابك هذه القضية ، زحف في عسكره الى البلد طامعا في خلف يجري بين المقدمين بوفاته ، فينال به بعض طلباته ، فكان الأمر بالضد