ويقاتلونه ، فبينما هو على ذلك إذ دسّ اليه خال بسيل وقسطنطين سما فاعتل منه ، ورحل إلى أنطاكية فطالب أهلها بتسليمها فلم يجيبوا إلى ذلك ، وقطع ما كان في بساتينها من شجر التين وهو يجري هناك مجرى النخل في البصرة ، وحفزه المرض الذي لحقه واستخلف البرجي (١) البطريق على منازلتها وتوجه الى القسطنطينة ، وتوفي بعد أن افتتح البرجي أنطاكية في سنة خمس وستين وثلاثمائة.
وورد (٢) الخبر بوفاة أبي تميم معد المعز لدين الله صاحب مصر في يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وكان مولده بالمهدية على أربع ساعات وأربعة أخماس ساعة من يوم الاثنين الحادي عشر من شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة ، وعمره خمس وأربعون سنة ، وتقلد الأمر بعد أبيه في يوم الجمعة التاسع عشر من شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، ومدة أيامه بمصر ثلاث سنين ، وانتصب مكانه ولده نزار أبو المنصور العزيز بالله ، وقد تقدم ذكر ذاك إلا أن هذه الرواية أجلى من تلك الحكاية.
وقيل أن المعز كان (١٤ و) مغرى بعلم النجوم ، والنظر فيما يقتضيه أحوال مولده وأحكام طالعه ، فحكم له بقطع فيه واستشار منجمه فيما يزيله عنه ، فأشار عليه أن يعمل له سردابا تحت الأرض ويتوارى فيه إلى حين زوال الوقت وتقضّيه ، فعمل على ذلك ، وأحضر قواده وكتابه ، وقال لهم : إن بيني وبين الله تعالى عهدا في وعد وعدنيه ، وقد قرب أوانه ، وجعلت ولدي نزارا ولي العهد بعدي ، ولقّبته العزيز بالله ، واستخلفته عليكم ، وعلى تدبير أموركم مدة غيبتي ، فالزموا الطاعة له والمناصحة واسلكوا الطريق الواضحة ، فقالوا له : الأمر أمرك ونحن عبيدك وخدمك ، ووصى إلى العزيز بما أراد ، وجعل
__________________
(١) ميخائيل البرجي. انظر تاريخ يحيى بن سعيد : ١٤٧.
(٢) في الأصل ولما ، ولا وجه لها ، ولعل ما أثبته هو الصواب.