وتألم المأمون كثيرا لمّا أقدم عليه أخوه الأمين ، فدعا الفضل بن سهل وأخاه الحسن بن سهل ، والخاصّة من الرؤساء والأعلام ، وشاورهم في الأمر ، فأشاروا عليه بالرفض ، ودعوة الناس إلى مبايعته بالخلافة في خراسان ، وخلع أخيه الأمين.
ثمّ جرت بعد ذلك بين الأخوين مكاتبات ، أعقبتها تهيأة الجيوش والاستعداد للحرب ، ثمّ دارت معارك ضارية بين أنصار الأخوين ، واستمرّت سنين عديدة (١).
وقيل : عند ما أرسل الأمين جيشه لمحاربة أخيه المأمون بقيادة عليّ بن عيسى بن ماهان ، قالت الست (زبيدة) لعلي بن عيسى : (إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي ، واليه تناهت شفتي ، وعليه تكامل جذري ، فإنّي على عبد الله مشفقة لمّا يحدث عليه من مكروه وأذى ، وإنّما إبني ملك نافس أخاه في سلطانه ، وغاراه على ما في يده ، والكريم يؤكل لحمه ، ويميته غيره ، فأعرف لعبد الله حق والده وأخوته ، ولا تجببه بالكلام ، فإنك لست نظيره ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ، ولا ترهقه بقيد ، ولا غل ، ولا تمنع منه جارية ولا خادما وتعنف عليه في السير ، ولا تساوره في المسير ، ولا تركب قبله ، ولا تستقل دابتك حتّى تأخذ بركابه ، وإن شتمك ، فاحتمل منه ، وإن سفه عليك فلا تراده) (٢). ثمّ أعطته قيدا من فضة وقالت له : (إن صار في يدك فقيده بهذا القيد).
وفي سنة (١٩٧) (٣) للهجرة ، حوصر الأمين ببغداد من قبل قادة المأمون ، ونصبت المجانيق ، وحفرت الخنادق والمتاريس ، وأخذ (زهير بن
__________________
(١) تاريخ الطبري. ج ٨ / ٤٢٨.
(٢) أحمد زكي ـ جمهرة الخطب. ج ٣ / ١٠٤.
(٣) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج ١٠ / ٣٦.