الجواب مرتّب على مقدّمات :
أحدها : أنّ حرف لو المسؤول عنها من أدوات الشرط وأنّ الشرط يقتضي جملتين ، إحداهما شرط والأخرى جزاء وجواب ، وربّما سمّي المجموع شرطا وسمّي أيضا جزاء ، ويقال لهذه الأدوات الجزاء ، والعلم بهذا كله ضروريّ لمن كان له عقل وعلم بلغة العرب ، والاستعمال على ذلك أكثر من أن يحصر ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا : سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) [النساء : ٤٦] ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء : ٦٤] ، (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) [الأنفال : ٢٣] ، (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ، (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [التوبة : ٤٧] ، (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) [المائدة : ٨١].
الثانية : أنّ هذا الذي يسمّيه النحاة شرطا هو في المعنى سبب لوجود الجزاء ، وهو الذي يسمّيه الفقهاء علّة ومقتضيا وموجبا ونحو ذلك ، فالشرط اللفظي سبب معنوي فتفطّن لهذا ، فإنّه موضع غلط فيه كثير ممّن يتكلّم في الأصول والفقه ، وذلك أنّ الشرط في عرف الفقهاء ومن يجري مجراهم من أهم الكلام والأصول وغيرهم هو ما يتوقّف تأثير السبب عليه بعد وجود المسبب ، وعلامته أنّه يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط ، ثم هو منقسم إلى ما عرف كونه شرطا بالشرع كقولهم : الطّهارة والاستقبال واللباس شرط لصحة الصلاة ، والعقل والبلوغ شرط لوجوب الصلاة ، فإنّ وجوب الصلاة على العبد يتوقف على العقل والبلوغ ، كما تتوقّف صحّة الصلاة على الطهارة والسّتارة واستقبال القبلة ، إن كانت الطهارة والسّتارة أمورا خارجة عن حقيقة الصلاة ، ولهذا يفرّقون بين الشرط والرّكن بأنّ الرّكن جزء من حقيقة العبارة أو العقد ، كالركوع والسجود وكالإيجاب والقبول ، وبأنّ الشرط خارج عنه ، فإنّ الطهارة يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة ، وتختلف الشروط في الأحكام باختلافها ، كما يقولون في باب الجمعة : منها ما هو شرط للوجوب بنفسه ومنها ما هو شرط للوجوب بغيره ، ومنها ما هو شرط للإجزاء دون الصحة ، ومنها ما هو شرط للصحة ، وكلام الفقهاء في الشروط كثير جدّا ، لكن الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتمّ على قول من يجوّز تخصيص العلة منهم ، وأمّا من لا يسمّي علّة إلّا ما استلزم من الحكم ولزم من وجودها وجوده على كل حال فهؤلاء يجعلون الشرط وضد المانع من جملة أجزاء