أما النحو الأول (١) فهو
______________________________________________________
(١) وهو ما لا تناله يد التشريع لا أصالةً ولا تبعاً. ومحصل ما أفاده فيه : أنهم اختلفوا في مجعولية سببية شيء للتكليف ـ وكذا أخواتها الثلاث ـ على أقوال ثلاثة.
الأول : أنها مجعولة بالاستقلال كما نسبه الشيخ الأعظم إلى المشهور بقوله : «ان الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول كما اشتهر في ألسنة جماعة أوّلا».
الثاني : أنها منتزعة عن التكليف المترتب على موضوعاتها كانتزاع السببية عن وجوب الصلاة المترتب على الدلوك في مثل : «أقم الصلاة لدلوك الشمس» ويستفاد هذا من ردِّ شيخنا الأعظم لكلام شارح الوافية بقوله : «فانه إذا قال لعبده : أكرم زيداً ان جاءك ، فهل يجد المولى من نفسه أنه أنشأ إنشاءين وجعل أمرين أحدهما وجوب إكرام زيد عند مجيئه ، والآخر كون مجيئه سبباً لوجوب إكرامه؟ أو أن الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله ، ولا إلى بيان مخالف لبيانه ، ولهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء سببية الدلوك ومانعية الحيض ، ولم يرد من الشارع إلّا إنشاء طلب الصلاة عند الأول وطلب تركها عند الثاني».
الثالث : أنها منتزعة عن الخصوصية التكوينية القائمة بما هو سبب أو شرط أو مانع ، فليست مجعولة بالاستقلال ولا منتزعة عن التكليف كما سيظهر.
والمصنف اختار الوجه الأخير وأبطل الأولين. أما بطلان القول الأول ، فلأن لازمه تأثير المتأخر في المتقدم ، حيث ان أجزاء العلة متقدمة على المعلول ، فإذا فرض توقف بعض أجزائها على وجود المعلول لزم تأثير المتأخر ـ أعني المعلول ـ في المتقدم ، وهذا غير معقول. وتطبيقه على المقام : أن الأمر الانتزاعي متأخر عن منشأ الانتزاع ، إذ لو لا وجود المنشأ لا معنى لانتزاع شيء منه ، مع أن مقتضى سببية شيء للتكليف هو تقدمه عليه ، لكون السبب في مرتبة العلة ، والتكليف في مرتبة المعلول. وعليه فالالتزام بانتزاع السببية عن التكليف يستلزم كون المتأخر عن التكليف متقدماً عليه والمتقدم عليه متأخراً عنه ، وهذا معنى اجتماع