وهذان الحديثان يكذّبان ما جاء به السري ، ولو صحّ ذلك فما وجه هذه المسألة في أيّام معاوية عن تزويج عامر؟
وأمّا ترك اللحوم فليس من المحرّم أيضاً وقد جاءت السنّة بتحليلها كلّها من غير إيجاب ، نعم تركها النهائي مكروه إن لم يكن من باب التديّن ، وقد تستدعي المبالغة في الزهادة الذهول عن شئون الدنيا بأسرها فلا يلتفت صاحبها إلى الملاذّ كلّها ، وكان مع ذلك لعامر عذر ، قال ابن قتيبة في المعارف (١) (ص ١٩٤) : وكان سبب تسييره أنّ حمران بن أبان كتب فيه : أنّه لا يأكل اللحم ، ولا يغشى النساء ، ولا يقبل الأعمال ـ يعرّض بأنّه خارجيّ (٢) ـ فكتب عثمان إلى ابن عامر : أن ادعُ عامراً فإن كانت فيه الخصال فسيّره. فسأله ، فقال : أمّا اللحم فإنّي مررت بقصّاب يذبح ولا يذكر اسم الله ، فإذا اشتهيت اللحم اشتريت شاة فذبحتها ، وأمّا النساء فإنّ لي عنهنّ شغلاً ، وأمّا الأعمال فما أكثر من تجدونه سواي. فقال له حمران : لا أكثر الله فينا أمثالك ، فقال له عامر : بل أكثر الله فينا من أمثالك كسّاحين وحجّامين.
وأمّا عدم الحضور للجمعة : فقد بيّن عامر نفسه حقيقته لمعاوية وهو الصادق الأمين على أنّه كان له أن لا يحضر الجمعة والجماعة إن لم ير لمقيمها أهليّة للائتمام به ، وليس من المنكر ذلك في حقّ الولاة الأمويّين يومئذٍ.
وعلى فرض صحّة الرواية وكون كلّ ممّا نُبز به حوباً كبيراً ، فكان من الميسور تحقيق حال الرجل من قبل والي البصرة كما وقع ذلك فيما مرّ من رواية أبي نعيم بالنسبة إلى التزويج وأكل الجبن وإتيان الأمراء. ولا أدري هل من الفرائض في
__________________
(١) المعارف : ص ٤٣٩.
(٢) كذا في المعارف ، فإذا كان المراد بالخارجي نسبته إلى الخوارج ، فإن هذا لا يصح كما هو معلوم ؛ لأنّ هؤلاء فرقة وُجدت تأريخياً بعد وقعة صفين. وقد يكون أراد بهذا الوصف الخروج عن سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.